الأحد ٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

قراءة فنّيّة لِثلاث لوحات مُشارِكة في معرض «ترانيم النَّصرِ»

قراءة فنّيّة لِثلاث لوحات مُشارِكة في معرض «ترانيم النَّصرِ» للرَّسَّامة السُّوريَّةِ الشَّابَّةِ ريم عصام زودي

إذا سألتَني عمَّا جئتُ لأفعلَهُ في هذا العالمِ، فَسأجيبكَ: أنا الفنانُ، أنا هنا لأعيشَ بصوتٍ عالٍ."، هذا ما قاله إميل زولا، فالفنُّ هوَ بمثابةِ الذَّاكرةِ الجمعيَّةِ للمجتمع، وهوَ وسيلةٌ للتّعبير مثلُه مثلُ الكتابةِ بمختلفِ أجناسِها، والفنُّ بمجملِ أنواعهِ هوَ تعبيرٌ بطريقةٍ إبداعيَّةٍ سواءٌ أكانَ مِن خلالِ اللوحاتِ، والمنحوتاتِ، والموسيقى، والأدبِ وغيرِها من أشكال الفنِّ.
والفنَّانونَ يوثِّقونَ لنا الكثيرَ مِن أحداثِ الحياةِ العامَّةِ، والخاصَّةِ.

الفنُّ يسهمُ أيضًا في التّعرُّفِ على قضايا المجتمعِ، وطريقةِ معالجتِها بطُرقٍ غيرِ مباشرةٍ، تتّخذُ أدواتٍ مختلفةً، وتستخدمُ أساليبَ محبَّبةً للنَّفسِ، وجذَّابةً كي تزرعَ في الأذهانِ القيمَ النَّبيلةَ.
كما يسهمُ في تهذيبِ الذَّوقِ العامِّ، والارتقاءِ بهِ لدى المتلقِّي، لأنَّ الفنَّ هوَ الجمالُ، والاهتمامُ بهِ يسمو بالإنسانِ إلى القيم الإنسانيَّةِ الرَّاقيةِ.

قبل البدءِ بالكتابةِ عن فنّ ريم، أعرِّفُ القارئَ بها:

ريم عصام زودي

مواليد عام ١٩٩٧/ برشين/ حماة

مقيمة في دمشق.

خرّيجة معهد الفنون التّشكيليّة، والتّطبيقيّة، عام ٢٠١٧.

درسَت في مركز الفنون نذير إسماعيل.

شاركَت بالعديد من المعارض الفنّيّة السّوريّة.

* إضاءةٌ على اللوحاتِ الَّتي شاركتْ بها الرَّسَّامةُ ريم:

اللوحات الثّلاث مشغولات بالأكريليك.

اللوحتان الصّغيرتان قياس ٦٠- ٧٠سم

اللوحة الكبيرة ١٠٠- ١٠٠سم.

اللوحة الأولى امرأة يكسو الحزن ملامح وجهها، تنظر إلى الأعلى، وهي تحتضن شمعو بيدينِ تنبئان أنّهما لطالما بُسطتا إلى السّماء يرافقها دعاء ما على نيّة الفرج، فالشّمعو تبدو كالورقة الأخيرة الّتي بين يدي تلك المرأة الّتي تبوحُ عيناها بالكثير من الخيبات، والآلام، وقسوة الحياة الّتي تركت آثارَ جلْدِها على تقاسيم وجه المرأة، ويديها الخشنتين البعيدتين عن ملامح الأنوثة من حيث النّعومة، والأظافر المطليّة، وبدت أقرب ما تكون إلى امرأة ريفيّة بتسريحة شعر عفويّة، تتوشّح بمنديل أزرق فاتح كلون الأحلام السّماويّة،

اللون الأزرق السماوي: يدل على السلام، والصفاء، وأثيري وروحي ولا نهائي (أصل هذه المعاني هي الجوانب غير الملموسة من السماء أما بشكل عام هذا اللونهو لون السلام والهدوء، وتعزيز الاسترخاء الجسدي والعقلي
وأبدعتِ الرَّسامةُ حينَ أحاطت بالمرأة بزهور بيضاءَ جميلةٍ، قد تكونُ الأملَ بمستقبلٍ ناصعٍ، وقد تكونُ صوتَ الرُّوحِ النَّقيَّةِ، أوِ النِّيَّةَ الصَّافيةَ لتلكَ المرأةِ الحزينةِ، المُتشبِّثةِ بالشَّمعةِ كما لو أنَّها سيفُ يبترُ اليأسَ، وكما لو أنَّها شعلةُ رجاءٍ تنيرُ دروبَ الخوفِ، والقهرِ.

وبالانتقال إلى خلفيَّةِ اللوحةِ، نرى صور قدِّيسينَ، وبدتِ الإضاءةُ قويَّةً في الأعلى، بينما خفتتْ قليلًا على اليمين، وكثيرًا على اليسار، وظهرت أيضًا خلفَ المرأةِ العديدُ منَ النَّوافذِ، بالإضافةِ إلى بابَينِ جسَّدَا الشَّكلَ التُّراثيَّ مع النَّوافذِ، والصُّورِ ليعكسَا الرَّمزَ الدِّينيَّ الكنَسيَّ؛ وهيَ رسالةٌ نحنُ أحوجَ ما نكونُ إليها في زمنِ إقصاءِ الآخَرِ، وتكفيرِهِ،

اللوحة الثّانية:

تظهر فيها شابّة بملامح وجه حزينة أقرب إلى البكاء، وهي رافعة يديها بتضرّع إلى الله، الشّعر مسدل بعفويّة دون تسريح، أو اعتناء، الثّياب سوداء، وربّما هي أيّامها الّتي تتوجّهُ إلى الله بدعائها، كي يزيل عتمة آلامها، وينيرَ دروب خلاصها.
تحيطُ بالفتاةِ مجموعةٌ منَ الأجراسِ المتدلّيةِ كتدلّي أمنياتها من عريشةِ الرّوحِ الذّابلةِ إلى ينابيعَ الفرحِ، عدا عن وجود حبلٍ خلف اليافعةِ دونما جرسٍ، تُركَ متدلِّيًا بحريَّةٍ، هو حبلُ الرَّجاءِ، ورمزُ الخلاصِ المرجوِّ

اعتمدتِ الرَّسَّامةُ على الألوانِ الورديَّةِ، أبرزها اللون البنفسجيُّ بدرجاتٍ متفاوتةٍ،

حيث تمثل درجات هذا اللون الطاقة الأنثوية، والمشاعر المُرهفة.

بالإضافةِ إلى الأصفرِ، والأزرقِ الفاتحِ، والذَّهبيِّ، مع إضاءةٍ قاتمةٍ قليلًا.

اللوحة الثّالثة:

أعلام العهد الجديد، حيث يرمز اللون الأخضر للازدهار، والأبيض للعطاء، أما الأحمر فهو رمز الشجاعة، والأسود عنوان للفخر.

وأشخاصٍ ذكورٍ بأعمارٍ مختلفةٍ، وفي زاوية اللوحة اليسرى بدَا رأس أنثى كدليلٍ على مشاركة النِّساء في صُنعِ الحدثِ، وهؤلاء كلُّهم لم تظهر وجوههم، وكأنّها رسالةٌ مغزاها:

ليس المهمّ مَن يصنع الحدث، بل المهمّ أن يتحوّل الشّعب كلّه إلى صانعٍ للحدث، وواصلٍ للمجد، ومحقّقٍ للأهداف.

اعتمدت الرّسّامة على إضاءتين في اللوحة، بالقسم العلويّ منها بألوان مبهجة، ودافئة:
الأخضر الفاتحولأنه يُعَدّ لوناً يعبر عن الانتعاش والحيوية، ويرتبط بالطبيعة، يعطي هذا اللون شعوراً بالراحة والتفاؤل، والقليل من البنفسجيّ، والبرتقاليّ اللون البرتقالي ساطع ومليء بالحيوية. السعادة، والمتعة والقوة وجذب الانتباه،

هذه الألوان الموحية بالأمل، والنصر، والفرح، والتّفاؤل بمستقبل جديد.
أمّا القسم السّفليّ، فكان بالألوان الغامقة(الأسود، والزّيتيّ، والبنيّ) في إشارة إلى الأيّام القاسية الّتي مرّ بها الشّعب.

أخيرًا:
أخالفُ ما قاله محمود درويش:

"الرَّسْمُ يحتاجُ ورقةً، وقلمَ رصاصٍ، وسبعةَ ألوانٍ، أمَّا الكتابةُ، فتحتاجُ جرحًا، وورقةً وقلمَ رصاصٍ"، فبِرأيي أنَّ الرَّسْمَ لطالما وثَّقَ عبرَ اللوحاتِ الكثيرَ من لحظاتِ الأسى، والمواجعِ، والانكساراتِ، والتَّوقِ إلى الخلاصِ، والنَّعيمِ، والانعتاقِ، والفرح، وإذا قالَ ليوناردو دافنشي:

"الفن لا ينتهي أبدًا، بل يُهجر"

فإنِّي أرجو ألَّا يُهجرَ أيضًا، لأنَّنا نحتاجُ ذلكَ الجمالَ البصريَّ، والفُسحةَ الرُّوحيَّةَ بينَ بساتينِ السِّحرِ، وعلى ضفافِ الألوانِ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى