الاثنين ٢٢ شباط (فبراير) ٢٠٢١
بقلم وفاء شهاب الدين

حول القداس الأخير

أن تكون كاتباً يمنعك ذلك عن الاستمتاع بما تقرأ فأنت تعلم خبايا الأعمال وأسرارها، تتحول لديك فطرة القاريء النقية إلى ذائقة عملية تفند وتنقد، تتوقع الأحداث قبل قرائتها، تتنبأ بالأسرار التي يتحايل الكاتب في إخفائها عن القراء فتقرأ الرواية كأنك من كتبتها

كيف لا وأنت تحفظ طرفي المعادلة وتقف على أسباب النتائج والظروف التي أتت مواتية فدفعت مكوناتها للتفاعل.

بعد غياب طويل عن القراءة صالحت القارئة بداخلي برواية ولاء كمال الأخيرة "القداس الأخير" الصادرة عن المصرية اللبنانية

عادة ما أنفر من الروايات التي تحدث ضجة عند صدورها فلدي تاريخ طويل من خيبات الأمل في العديد من الأعمال الشهيرة

جذبني عنوان الرواية جدا كما أن غلافها أثار فضولي وإعجابي في آن واحد..لم تكن الصفحات الأولى للقداس الأخير هي المؤلمة بل الرواية ككل رحلة من الألم النفسي الذي كنت أحاول أن أتحرر منه قليلاً بالبعد وتناول مشروب دافيء ثم العودة ثانية لالتهام الحروف والكلمات بنهم ..

أن تبدأ كتاب بخبر عن عملية إرهابية قامت بها زوجة البطل لهي جرأة تحتسب للكاتب فأنا كقارئة أفضل البدايات الهادئة والتطورات التدريجية، ما حدث هو أنني خطفت لأجد نفسي بين الأشلاء وشاشات التليفزيون والأخبار المروعة رغما عني! أصبحت جزءا من الحدث أحاول الخروج من مسرح الجريمة فأتورط بالدخول إلى قلب بطل الرواية الاناني المغرور الهش، ظللت طول الرواية أبحث عن سبب يدعوني للتعاطف معه فلا أجد! كانت المرة الأولى التي أرى فيها شيطاناً من الداخل، شيطان يدعي ككل رجالنا الملائكية ..

رغم كل ما فعلته ماري إلا أنني وجدتها جزء مني جزء هش تعرض لكل ما يمكن أن تتعرض له امرأة من سوء ورغم الجريمة التي ارتكبتها فإن الكاتب كان يبحث بضراوة عن أسباب التحول المفاجيء الذي طرأ على شخصيتها فالرواية توثيق للأسباب التي يمكن أن تحول إنسانا يعيش الحياة بكل ما فيها إلى كائن آخر كاره لكل ما كان عليه من قبل، وهي ايضاً تقصي عن أسرار التحولات العنيفة في حياة "ماري" زوجة الكاتب والناقد الذي بحكم خبرته في الوسط الثقافي حصل على جائزة كبيرة لا يستحقها.

نجح ولاء كمال في توريطنا في التعاطف مع زوجة الكاتب التي تسببت في تفجير كنيسة بلدتها وقتلت خمسين شخصاً منهم الآثم ومنهم الأبرياء، للاسف.. كيف لا وكلما توغلت داخل الأحداث أصبحت جزءا أصيلاً منها؟

تبين الرواية الأسباب التي تودي بالبشر إلى حافة التطرف بل والانغماس به وقد نجح الكاتب في عرض تلك الأسباب، وجدتني رغما عني أسيرة لأحداث تمنيت ألا تنتهي حتى وإن حدث تنتهي نهاية سعيدة..طوال رحلة ماري كنت أحاول ألا أتعاطف معها انسانيا كقاتلة ومع افكارها المتطرفة ووجدتي أبث لها مع ولاء عن مبررات مناسبة لارتكاب تلك الكارثة بل أنني ذهبت إلى ما هو أبعد فتمنيت أن تكون الرواية محض حلم ليلة شتاء بارد للبطل وأن كل تلك الحداث التي تفاعلت معها بعمق لم تحدث أبدا..

نجح ولاء كمال في إيضاح جوانب شخصية البطل الكئيبة التي ظل طوال 356 صفحة يستجدي تعاطفاً لا يستحقه ولم يحصل عليه.

بطل الرواية رجل المرحلة الذي يعقد الصفقات ليلمع ويشتهر ويكتب التقارير في رفاقه ويرشح البعض للجوائز المهمة لكنه كأغلبية رجال الشرق رجعي ويحمل افكاراً تعذبه وتعذب زوجته وتعذبنا نحن القراء ..

ظللت اتساءل طوال الرواية عن الخطاب الذي تحدث عنه كثيرا والذي بسببه رحلت زوجته إلى بلادها بعد أن حصلت على الطلاق، بعد فضول قاسي وجدت الخطاب أخيراً كانت صفحاته جحيماً لا أتمنى لأي امرأة أن تخوضه حتى أن أغلقت الرواية لعدة ساعات حتى أتخلص من تأثيره القاسي علي وعلي ماري الذي تجرعته ككأس سم دفعها للرحيل فلم تشفع له الصفحة الأخيرة التي ملأها حباً في نزع ذلك السم من قلب ماري! اعترف أنني حملت ضغينة عظيمة ضد بطل الرواية وربما تماهيت مع ماري وغضبت من الكاتب أيضاً .كيف يمكن لرجل أن يكون بتلك القسوة !

انتقل بنا ولاء كمال لعالم سحري متورط بأعمال العظيمء مايكل انجلو وبرنيني فاضطررت ان أبحث بجانب قراءاتي عن برنيني وتمثال كوستنزا ونشوة القديسة تريزا ولعلي اتواصل معه لأشكره على جرعات الجمال التي وضعها لتخفف عنا وطأة الأحداث

الانتقال بين المشاهد كان جيداً ولكنني كنت أتمنى أن يوضع خطاب الانفصال في الثلث الأول من الرواية حتى لا يحصل البطل على تعاطف لا يستحقه

لم يعجبني الحوار بين البطل وزوج ماري "محمد قابل" أعتقد انه كان أضعف ما في الرواية القوية ما هكذا يتحدث الأرهابيون يا ولاء كمال

ليس من عقيدة الشخص المتطرف الحديث عن زوجته مع صحفي كما ا أن تعريفه في النهاية بأنه الزوج السابق لماري لم يعجبني ايضاً كان يمكن أن يكون هذا المشهد من أقوى المواقف في الرواية ولكنني وجدت عذر مناسب فقد أنهك الكاتب في 356 صفحة وآن له الأوان ان يستريح..

أصر ولاء كمال على أن يجهز على القراء ــ وعلي طبعاً ــ بنهاية مفزعة رغم رومانسية المشهد، غروب أورورا كان ساحرا ولا يليق بشخص مثل بطل الرواية أن تنتهي حياته في مشهد مميز كهذا،لم تكن طريقة موته هي طريقتي المفضلة فقد أتت باهتة وغير مقنعة

أصر ولاء ايضا على أن يجعلنا شركاء في مشهد النهاية حين لفظ البطل أنفاسه أمامنا جميعاً فأصبحنا متورطين جميعا فيما حدث أمامنا

"القداس الأخير" بالنسبة إلي من أفضل الروايات التي قرأتها وإن استوقفتني بعض المفردات ك"احتسي الشيشة " و"ياللجحيم" والذي أتمنى أن ألفت انتباه الكاتب إليها

سأعمل جاهدة في الفترة القادمة على قراءة باقي أعمال الكاتب "سكون ورواية سيد والعصابة و كتاب أيامي مع كاريوكيمقال

أن تكون كاتباً يمنعك ذلك عن الاستمتاع بما تقرأ فأنت تعلم خبايا الأعمال وأسرارها ،تتحول لديك فطرة القاريء النقية إلى ذائقة عملية تفند وتنقد ،تتوقع الأحداث قبل قرائتها،تتنبأ بالأسرار التي يتحايل الكاتب في إخفائها عن القراء فتقرأ الرواية كأنك من كتبتها

كيف لا وأنت تحفظ طرفي المعادلة وتقف على أسباب النتائج والظروف التي أتت مواتية فدفعت مكوناتها للتفاعل.

بعد غياب طويل عن القراءة صالحت القارئة بداخلي برواية ولاء كمال الأخيرة"القداس الأخير"الصادرة عن المصرية اللبنانية

عادة ما أنفر من الروايات التي تحدث ضجة عند صدورها فلدي تاريخ طويل من خيبات الأمل في العديد من الأعمال الشهيرة

جذبني عنوان الرواية جدا كما أن غلافها أثار فضولي وإعجابي في آن واحد..لم تكن الصفحات الأولى للقداس الأخير هي المؤلمة بل الرواية ككل رحلة من الألم النفسي الذي كنت أحاول أن أتحرر منه قليلاً بالبعد وتناول مشروب دافيء ثم العودة ثانية لالتهام الحروف والكلمات بنهم ..

أن تبدأ كتاب بخبر عن عملية إرهابية قامت بها زوجة البطل لهي جرأة تحتسب للكاتب فأنا كقارئة أفضل البدايات الهادئة والتطورات التدريجية، ما حدث هو أنني خطفت لأجد نفسي بين الأشلاء وشاشات التليفزيون والأخبار المروعة رغما عني! أصبحت جزءا من الحدث أحاول الخروج من مسرح الجريمة فأتورط بالدخول إلى قلب بطل الرواية الاناني المغرور الهش،رظللت طول الرواية أبحث عن سبب يدعوني للتعاطف معه فلا أجد! كانت المرة الأولى التي أرى فيها شيطاناً من الداخل، شيطان يدعي ككل رجالنا الملائكية ..

رغم كل ما فعلته ماري إلا أنني وجدتها جزء مني جزء هش تعرض لكل ما يمكن أن تتعرض له امرأة من سوء ورغم الجريمة التي ارتكبتها فإن الكاتب كان يبحث بضراوة عن أسباب التحول المفاجيء الذي طرأ على شخصيتها فالرواية توثيق للأسباب التي يمكن أن تحول إنسانا يعيش الحياة بكل ما فيها إلى كائن آخر كاره لكل ما كان عليه من قبل،وهي ايضاً تقصي عن أسرار التحولات العنيفة في حياة "ماري" زوجة الكاتب والناقد الذي بحكم خبرته في الوسط الثقافي حصل على جائزة كبيرة لا يستحقها.

نجح ولاء كمال في توريطنا في التعاطف مع زوجة الكاتب التي تسببت في تفجير كنيسة بلدتها وقتلت خمسين شخصاً منهم الآثم ومنهم الأبرياء،للاسف ..كيف لا وكلما توغلت داخل الأحداث أصبحت جزءا أصيلاً منها؟

تبين الرواية الأسباب التي تودي بالبشر إلى حافة التطرف بل والانغماس به وقد نجح الكاتب في عرض تلك الأسباب، وجدتني رغما عني أسيرة لأحداث تمنيت ألا تنتهي حتى وإن حدث تنتهي نهاية سعيدة.. طوال رحلة ماري كنت أحاول ألا أتعاطف معها انسانيا كقاتلة ومع افكارها المتطرفة ووجدتي أبث لها مع ولاء عن مبررات مناسبة لارتكاب تلك الكارثة بل أنني ذهبت إلى ما هو أبعد فتمنيت أن تكون الرواية محض حلم ليلة شتاء بارد للبطل وأن كل تلك الحداث التي تفاعلت معها بعمق لم تحدث أبدا..

نجح ولاء كمال في إيضاح جوانب شخصية البطل الكئيبة التي ظل طوال 356 صفحة يستجدي تعاطفاً لا يستحقه ولم يحصل عليه.

بطل الرواية رجل المرحلة الذي يعقد الصفقات ليلمع ويشتهر ويكتب التقارير في رفاقه ويرشح البعض للجوائز المهمة لكنه كأغلبية رجال الشرق رجعي ويحمل افكاراً تعذبه وتعذب زوجته وتعذبنا نحن القراء ..

ظللت اتساءل طوال الرواية عن الخطاب الذي تحدث عنه كثيرا والذي بسببه رحلت زوجته إلى بلادها بعد أن حصلت على الطلاق، بعد فضول قاسي وجدت الخطاب أخيراً كانت صفحاته جحيماً لا أتمنى لأي امرأة أن تخوضه حتى أن أغلقت الرواية لعدة ساعات حتى أتخلص من تأثيره القاسي علي وعلي ماري الذي تجرعته ككأس سم دفعها للرحيل فلم تشفع له الصفحة الأخيرة التي ملأها حباً في نزع ذلك السم من قلب ماري! اعترف أنني حملت ضغينة عظيمة ضد بطل الرواية وربما تماهيت مع ماري وغضبت من الكاتب أيضاً .كيف يمكن لرجل أن يكون بتلك القسوة!

انتقل بنا ولاء كمال لعالم سحري متورط بأعمال العظيمء مايكل انجلو وبرنيني فاضطررت ان أبحث بجانب قراءاتي عن برنيني وتمثال كوستنزا ونشوة القديسة تريزا ولعلي اتواصل معه لأشكره على جرعات الجمال التي وضعها لتخفف عنا وطأة الأحداث

الانتقال بين المشاهد كان جيداً ولكنني كنت أتمنى أن يوضع خطاب الانفصال في الثلث الأول من الرواية حتى لا يحصل البطل على تعاطف لا يستحقه

لم يعجبني الحوار بين البطل وزوج ماري "محمد قابل" أعتقد انه كان أضعف ما في الرواية القوية ما هكذا يتحدث الأرهابيون يا ولاء كمال

ليس من عقيدة الشخص المتطرف الحديث عن زوجته مع صحفي كما ا أن تعريفه في النهاية بأنه الزوج السابق لماري لم يعجبني ايضاً كان يمكن أن يكون هذا المشهد من أقوى المواقف في الرواية ولكنني وجدت عذر مناسب فقد أنهك الكاتب في 356 صفحة وآن له الأوان ان يستريح..

أصر ولاء كمال على أن يجهز على القراء ــ وعلي طبعاً ــ بنهاية مفزعة رغم رومانسية المشهد،غروب أورورا كان ساحرا ولا يليق بشخص مثل بطل الرواية أن تنتهي حياته في مشهد مميز كهذا،لم تكن طريقة موته هي طريقتي المفضلة فقد أتت باهتة وغير مقنعة

أصر ولاء ايضا على أن يجعلنا شركاء في مشهد النهاية حين لفظ البطل أنفاسه أمامنا جميعاً فأصبحنا متورطين جميعا فيما حدث أمامنا

"القداس الأخير" بالنسبة إلي من أفضل الروايات التي قرأتها وإن استوقفتني بعض المفردات ك"احتسي الشيشة " و"ياللجحيم" والذي أتمنى أن ألفت انتباه الكاتب إليها

سأعمل جاهدة في الفترة القادمة على قراءة باقي أعمال الكاتب "سكون ورواية سيد والعصابة و كتاب أيامي مع كاريوكي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى