الأربعاء ٥ أيار (مايو) ٢٠٠٤
بقلم بشرى عوني الحديدي

رقصة الفراشة التي لم تنته

تزرع الأزهار، ومن ثم تسقيها، وتجلس إلى جانبها على التربة والطين لتسوف رائحتها، وتذهب إلى عالمها الخاص،عالم جميل، عالم تنسجه من الورود والحياة، عالم لا بداية له، ولا نهاية بالنسبة لها، بين عبق الزهر وبين غروب الشمس، إلى جانب ابنتها ميس صاحبة الأعوام الستة.

يأتي ابنها محمود، وهوابن أربعة عشر عاما، وهويعدو كالظليم، ليشارك ميس ووالدته مقعدهما بين الأزهار والتراب وبين غروب الشمس، فيحضنهماويقبلهما ليرقبوا آخر خيط من أشعة الشمس.

تغادر أم محمود إلى المنزل، (بعد أن قطفت بعض ثمار البرتقال) لتستمع لأخبار وموسيقى المذياع الهادئة وهي تحضر عصير البرتقال لعائلتها إلى حين عودة أبي محمود، بينما يبقى محمود وميس وهم يتدحرجون بين الأزهار ويتراشقون المياه.

كانت هذه حياة عائلة أبي محمود وعائلته، الذي يعمل في البقالة المجاورة منذ الصباح الباكر، ليجمع قوته وقوت أولاده، ويعود بعد عدة ساعات من غروب الشمس.
بينما أم محمود تحضر عصير البرتقال، فجأة تسقط جميع الكؤوس من يدها وتقف بذهول...فيهرع إليها محمود وميس، ليسأل محمود والدته ما الذي جرى؟؟ تحاول أن تنطق فلا تقدر، بل تتلعثم كلماتها، فيسمع محمود وميس الخبر في المذياع:" لقد وصلت القوات اليهودية إلى الأراضي المقدسة في فلسطين.." فيسرع محمود ليحطم المذياع من شدة الغضب، ويعم صمت قاتل في البيت. في هذه اللحظات يعود أبومحمود إلى المنزل وهوحانق ومكدر المزاج وقد نال الأين منه، فتتلاقى نظراتهم جميعا، لكن لم يكسر احد هذا الصمت الذي غيم في المنزل إلا صوت ميس التي بدأت البكاء من شدة الخوف، لم تفهم ما الذي يدور من حولها، لم تفهم ما الذي يعنيه أن تحتل بلدها فلسطين، انزوت إلى الجدار وهي ترتجف من البكاء والخوف وهي تحتضن دميتها، فأوى لها محمود وهرع إليها ليحتضنها بقوة ليخفف عنها فهي ما زالت صغيرة ولم تتجاوز السادسة من عمرها .

فجأة يسمعون صوتا كالرعد فيخرج أبومحمود ليتفقد الأمر، فيجد الدبابات تدمر منازل جيرانهم بينما هم فيها، فلم يستطع احد مساعدتهم لان جنود الاحتلال يحيطون بأطر المنزل والصوت يزداد شدة وشدة؛ حيث أحس محمود بنبضات قلب ميس التي كانت متشبثة به.

مرت الأيام والأسابيع المرعبة على عائلة أبومحمود الذي قرر الانضمام إلى الفدائيين في هذه الفترة، ومحمود الذي أصبح يهتم البقالة (التي أصبحت بقالة لبيع الأسلحة )عن طريق الخفية من دون علم جنود الاحتلال، فكلما كان احد الجنود يقترب كان يهرع ليقفل الدكان ويتظاهر بعدم وجود احد فيه.

كل منهم أحس بان هناك شيئا ينقصه؛ أبومحمود المشتاق لعائلته لكنه مشتاق أكثر لحرية بلده، ومحمود ووالدته المشتاقان للمكوث بجانب الأزهار، فلم يعد احد يهتم بالأزهار وسقايتها أوبمراقبة غروب الشمس، حتى ميس أرادت العودة إلى اللعب بين الأزهار والتدحرج مع محمود على التراب.

لم تعد ميس تحتمل هذا الحال ولم تسطع فهمه، فخرجت بين السهول لتتدحرج بين الأزهار وتتراقص بين الفراشات وتترنم بالأناشيد الوطنية التي تعلمتها في المدرسة، فأخذت تطلب من الفراشات التي على كتفها وفوق الأزهار وأغصان الأشجار أن تردد من ورائها النشيد وكأنها تتفاعل معها بالرقص فتغني:" وطني حبيبي وطني الأكبر، يوم ورا يوم أمجاده بتكبر، وانتصاراته مليا حياته وطني بيكبر وبيتح...." لم تستطع ميس إكمال كلمة الحرية فيسمع آخر صوت لأغنية ميس الجميلة، فقد قررت آن تكملها في عالم آخر.....لقد انفجر لغم بالطفلة ميس ، فتهرع إليها أم محمود لتجد جثة ميس إلى جانب الفراشات الميتة .

تزرع الأزهار،ومن ثم تسقيها،وتجلس إلى جانبها على التربة والطين لتسوف رائحتها،وتذهب إلى عالمها الخاص،عالم جميل ،عالم تنسجه من الورود والحياة،عالم لا بداية له ،ولا نهاية بالنسبة لها ،بين عبق الزهر وبين غروب الشمس ،إلى جانب ابنتها ميس صاحبة الأعوام الستة.

يأتي ابنها محمود، وهوابن أربعة عشر عاما، وهويعدوكالظليم، ليشارك ميس ووالدته مقعدهما بين الأزهار والتراب وبين غروب الشمس، فيحضنهماويقبلهما ليرقبوا آخر خيط من أشعة الشمس.

تغادر أم محمود إلى المنزل، (بعد أن قطفت بعض ثمار البرتقال) لتستمع لأخبار وموسيقى المذياع الهادئة وهي تحضر عصير البرتقال لعائلتها إلى حين عودة أبي محمود، بينما يبقى محمود وميس وهم يتدحرجون بين الأزهار ويتراشقون المياه.

كانت هذه حياة عائلة أبي محمود وعائلته، الذي يعمل في البقالة المجاورة منذ الصباح الباكر، ليجمع قوته وقوت أولاده، ويعود بعد عدة ساعات من غروب الشمس.
بينما أم محمود تحضر عصير البرتقال، فجأة تسقط جميع الكؤوس من يدها وتقف بذهول...فيهرع إليها محمود وميس، ليسأل محمود والدته ما الذي جرى؟؟ تحاول أن تنطق فلا تقدر، بل تتلعثم كلماتها، فيسمع محمود وميس الخبر في المذياع:" لقد وصلت القوات اليهودية إلى الأراضي المقدسة في فلسطين.." فيسرع محمود ليحطم المذياع من شدة الغضب، ويعم صمت قاتل في البيت. في هذه اللحظات يعود أبومحمود إلى المنزل وهوحانق ومكدر المزاج وقد نال الأين منه، فتتلاقى نظراتهم جميعا، لكن لم يكسر احد هذا الصمت الذي غيم في المنزل إلا صوت ميس التي بدأت البكاء من شدة الخوف، لم تفهم ما الذي يدور من حولها، لم تفهم ما الذي يعنيه أن تحتل بلدها فلسطين، انزوت إلى الجدار وهي ترتجف من البكاء والخوف وهي تحتضن دميتها، فأوى لها محمود وهرع إليها ليحتضنها بقوة ليخفف عنها فهي ما زالت صغيرة ولم تتجاوز السادسة من عمرها .

فجأة يسمعون صوتا كالرعد فيخرج أبومحمود ليتفقد الأمر، فيجد الدبابات تدمر منازل جيرانهم بينما هم فيها، فلم يستطع احد مساعدتهم لان جنود الاحتلال يحيطون بأطر المنزل والصوت يزداد شدة وشدة؛ حيث أحس محمود بنبضات قلب ميس التي كانت متشبثة به.

مرت الأيام والأسابيع المرعبة على عائلة أبومحمود الذي قرر الانضمام إلى الفدائيين في هذه الفترة، ومحمود الذي أصبح يهتم البقالة (التي أصبحت بقالة لبيع الأسلحة )عن طريق الخفية من دون علم جنود الاحتلال، فكلما كان احد الجنود يقترب كان يهرع ليقفل الدكان ويتظاهر بعدم وجود احد فيه.

كل منهم أحس بان هناك شيئا ينقصه؛ أبومحمود المشتاق لعائلته لكنه مشتاق أكثر لحرية بلده، ومحمود ووالدته المشتاقان للمكوث بجانب الأزهار، فلم يعد احد يهتم بالأزهار وسقايتها أوبمراقبة غروب الشمس، حتى ميس أرادت العودة إلى اللعب بين الأزهار والتدحرج مع محمود على التراب.

لم تعد ميس تحتمل هذا الحال ولم تسطع فهمه، فخرجت بين السهول لتتدحرج بين الأزهار وتتراقص بين الفراشات وتترنم بالأناشيد الوطنية التي تعلمتها في المدرسة، فأخذت تطلب من الفراشات التي على كتفها وفوق الأزهار وأغصان الأشجار أن تردد من ورائها النشيد وكأنها تتفاعل معها بالرقص فتغني:" وطني حبيبي وطني الأكبر، يوم ورا يوم أمجاده بتكبر، وانتصاراته مليا حياته وطني بيكبر وبيتح...." لم تستطع ميس إكمال كلمة الحرية فيسمع آخر صوت لأغنية ميس الجميلة، فقد قررت آن تكملها في عالم آخر.....لقد انفجر لغم بالطفلة ميس، فتهرع إليها أم محمود لتجد جثة ميس إلى جانب الفراشات الميتة .

هذا بعض الواقع المؤلم الذي استطعت صياغته ببعض الكلمات وما وراء الكلمات....وهذا ابسط ما استطيع تقديمه لفلسطين الحبيبة التي هي عنوان المعاناة العربية من الحروب التي لا ترحم ..وفي النهاية اشكر من يقوم بهذا الواجب البسيط او بتعليمه لذا اشكر معلمي الفاضل احمد روبين سمحان والاستاذ محمود أبو جادو الذين اعاناني على التعبير عن نفسي والذين لم يبخلا بتقديم النصائح القيمة لي اشكرهما من كل قلبي فهما رمز المعلمين القديرين في هذا الزمان الغريب


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى