الجمعة ١٣ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم ليندة كامل

شريط الأحداث

«1»

الرؤوس محلقة، العيون مصوبة،على شاشة المعلقة على جدار بقاعة الاستقبال،الأفواه ضاحكة مستبشرة. مما قام به محمود ياسين في فيلم"الرصاصة مازالت في جيبي"تزامنت السهرة مع الذكرى السنوية. الذاكرة المفتوحة على ذلك المجد الضائع، مجد الانتصار الذي استحال إلى نكبة،الوالد أكد، أن سببها الخونة"الشجاعة هرمون يسري في دم الفلسطيني".يؤكد الابن وهو يتفحص شاشة الهاتف بين يديه، وينشر فيديو جديد. سعد لأنه حظي بارتفاع طفيف في نسبة المشاهدات، آملا أن ترتقي أحد منشوراته إلى الترند،مثل ما حدث مع الكثير من الناس بمختلف الأطياف.

«2»

اطفأت الأضواء، ظل ضوء الشمعة مشتعلا، يبدد ظلمة المكان، وظلمة القلوب أيضا، نفخ بعدما ملأ صدره الصغير بالهواء انطفأت الشمعة، توالت التصفيقات، والكل يردد في مرح"كل عام وأنت بخير""كل عام وأنت بخير يا روح الروح".

«3»

أصوات المفرقعات، تضيء السماء. زغاريد النساء،رقصاتهن، رائحة اللحم المشوي، كان يوم زفاف أحمد، وأخيرا سيجتمعان معا تحت سقف واحد.،
كم انتظر هذا اليوم يقول لها"هامسا"إذا سنكون معا وإلى الأبد"ابتسمت، وخفق قلبها."قل يا رب". يرد في لهفة"يا رب"، يتمدد على السرير ويطلق العنان لخياله.

«4»

كانت تسير بالقرب من المحطة، حين باغتتها رائحة الشواء، سحبها من يديها في إشارة منه لرغبته في تناول الغداء،ابتسمت وأخرجت آخر قطعة نقدية"لن أبخل نفسي ولن أبخلك، يا روحي سنأكل إلى أن نشبع،وهل الحياة تحتمل منا كل تقصير، الحياة قصيرة فل نعشها"، كان سعيدا وهو ينظر إليها.

وهو يرمي آخر قطعة إلى فمه يتلذذ بطعم الشواء، الطبق المفضل لديه، رفعت رأسها نحوى الأعلى ونظرت لساعة التي على الحائط بدت لها متوقفة، قالت"لا ضير فكل أمورنا كذلك، منذ الحصار. كنت في بطني حينها واليوم أنت شاب"وهو يمسح يديه ويتابع كلامها بلا مبالاة،

تذكرت مسؤولها السيد حسان،"سيغضب، و لكنه لن يفعل شيئا سيصرخ، يكتب تقريرا، يخصم يوما.المهم أننا نستمتع أليس كذلك يا حبيب الروح."تتستحضر قبل سنة تحديدا كلام الطبيب الذي نزل على رقبتها كسيخ حاد، حين راح يوبخها بحزم"كان عليك الاهتمام به قبل أن يتفاقم المرض؟"تملكتها غصة ثم ألجمتها وهي تنظر إلى حركة شفتيه وهو يردد بصوت مرتفع"أن تقومي بالكشف المبكر له".

هو لم يكن يعلم أن تكاليف العلاج حالت دون ذلك"الأطباء يظنون أنهم حين يملون تلك المطالب الغريبة، أنهم يعيشون في بلد آخر"،"ناوليه الفواكه، العصائر، لا تكثرين له من اللحم، ابتعدي عن الشحوم، قدمي له بعض المكسرات"كانت تتمتم في داخلها

"والواحد محتار في شراء كيس حليب، ليس إلا ماء ملون يضيفون له الجير".

كانت تنظر إليه بملل و قد باغتتها الضحكة وكادت تنفلت من بين شفتيها، لكنها تماسكت أمامه وكانت تسال نفسها
"كيف لم ينتبه للاصفرار الذي كسى جلدي"وأكملت في انتباه"أطباء لا مبالون، بتكلفة العلاج يعتقدون أن الناس تعيش نفس حياتهم، يهتمون كثيرا لغذائهم،لم يدرسوا عن متاعب الناس وهي تتعالج وتتنقل من طبيب الى طبيب وكل طبيب يخبرك عن أمر مختلف عن الآخر يحملون الشهادات زورة، بلا ريب؟"

«5»

الرأس ملقى على الوسادة، العينان تحدقان في الأضواء المتدلية، يمسك أحدهم بيده ويطلب منه النظر في الأضواء يحقن وريده، فينفصل عن الواقع.

 ستنجح لا تقلقي

جالسة في كرسي طويل فارغ، تلمح بعينين دامعتين المارين من أمامها في الرواق، تعصر قلبها كمدا.وهي تسوق بنظرات عينيها البنيتين أرجل المارة القلائل،وقد أطبق السكون على المكان الا من رائحة الدواء التي تخنقه.

«6»

يلمع شريط الأخبار بالأحمر يقطع انتباههم، للفيلم، ويقتحم أسفل الشاشة بشريط عريض عند اللقطة الحاسمة، خبر عاجل كتب العنوان بالبند العريض"طوفان الاقصى"تعالت الصيحات بالغرفة، كصوت طلقة البارود المشحون"الله أكبر""و الله فعلها الشباب".

«7»

حركات الناس بالشارع أحدثت ضجيجا وصخبا، فرحة هستيرية عمت الجميّع، في حركات انفعالية، ممزوجة بنشوة الانتصار. جدار جنوب غزة يسقط و يلتحم أخيرا مع الشمال، تسلقوا الذبابات المنهزمة، تعالت الصيحات"الله أكبر"، من ضرب العدو بالحجر إلى صنع السلاح الفلسطيني الحر، لم تكن طلقة رصاص واحدة بل طوفان لتحرير الأرض، الأخبار تتناقل تباعا مثل زخات المطر من السماء قاتمة تعصر نفسها، لقد اشتعلت الحرب وأعلنها العدو كرد فعل على عملية.

«8»

تغير لون السماء وقد أصبح لها صوت، صوت الطائرات، انقشعت سحب الرحمة وغزتها سحب الظلام، قنابل من كل صنف الهاون، الفسفور، سعت إلى قتل الفرحة التي اكتست الشوارع. وقبلها النفوس والقلوب.
قنبلة تقع فوق البيت، سقطت النوافذ، انفجر التلفاز وشريط يلملم الأرواح دفعة واحدة، لا يميز بين الرؤوس لا يهم رأس من، طفل، رضيع، جنين،شيخ.كانت عيناه ترى كل ذلك والموت يقرص على الزناد يأخذ الأرواح ولا يفرق بينها. لتنطفئ العين الأخرى.

«9»

تحمل جسده المنهك، نزل الضوء الذي كانت عيناه تحدقان به، سقط على وجهه وانكبت جدران الغرفة، تعالت الصيحات، لم تكن صياحات، إنه انفجار، أضواء زينت السماء، ليست أضواءً بل قنابل ضوئية، الزغاريد لا ليست الزغاريد بل نحيب النساء،

المحه جيدا و أملأ عيني من تفاصيل وجهه،لقد نام جيدا لن يتألم، ولن أقوم بالفحوص ولا بالبحث عن الفواكه، سيرقد وأرقد إلى الجانبه أرى الكثير معنا. المكان ضج، الخطوات متسارعة، الرواق الفارغ امتلأ عن آخره، واختلطت حركة الناس مثل ممرات خرطوميه بلا انتظام الكل في ذعر.

«10»

صراخ وبكاء وزغاريد وبارود العروس تحمل على الأكتاف، لقد أصيب موكب العرس سقطت الأضواء التي في السماء وامتدت إلى القلوب والاجساد.الشريط الأحمر يعبر منه أعداد الضحايا،الشريط ذاته استحال إلى كف يشرع قبضته ليأخذ معه الكثير من الناس مثل القبضة التي تقطف الأزهار تحملهم، تفرغ أرواحهم وترمي بأجسادهم أشلاء
الجثث تتطاير، أكباد مشوية، صراخ مزق عذرية الفرح، وآخر مزق الصمت،

أحمد كان يريد أن يصبح مشهورا على صفحة التيك توك، لقد أصبح كذلك صورته وهو يحفر الجدران المساقطة وهو يبحث عن والده تحت الصخور، أصبحت ترند

لقد محى الحزن أحلامه ومزقت الرصاصات والقنابل خططه، ولكنه ظل يكافح وها قد أخرج من بين الانقاض صديقه جهاد، وهو معفر بالأتربة والدماء تنزل من وجه رافعا علامة النص والجميع يصيح بصوت واحد"لبيك يا أقصى"يخرج صوت المرأة من الجانب الآخر"إن مات ألف،انجبنا ألفين، إن هدموا بيتا بيننا بيوتا، لن نرضخ، ولن نسلم أرضنا، نحن هنا باقون"
حتى وأن ظللنا بلا مأوى بلا ماء بلا كهرباء".

لقد قطع العدو كل السبل للنجاة،فقط القتل من يعزف سمنفونية الموت فوق الرؤوس، الرؤوس محلقة العيون الدامعة والافواه الفاغرة، وشريط الأحداث يحصى عدد القتلى.

وما زلوا يصنعون من الموت حياة، ومن الضعف قوة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى