

كنَّ أفضلَ صديقٍ لنفسِك
كنَّ أفضلَ صديقٍ لنفسِك– سفرُ الروحِ في مواجهةِ الصِّعاب
يا أيُّها القلبُ…
خفِّفْ خُطاكَ على جراحِكَ؛ فالطريقُ إليكَ أوسعُ من ظلالِ الظنِّ،
وأقربُ منْ دمعةٍ تسيلُ بلا استئذان.
عتبات
أنا ابنُ ما عبرَتْ يدايَ من العواصفِ لا ابنُ ما انكسرْتُ فيه،
أنا شاهدٌ آخرُ على نجاةِ نافذةٍ تُطلُّ على النهارِ من خرابِ البيت.
قالتْ أمّي: «لا تَخَفْ»
وقلتُ: كيفَ أخافُ والهواءُ يسندُ كتفي الأيسر؟
كيفَ أخافُ وكفُّ اللهِ لا تُرى، ولكنَّها تُرمِّمُ ما تَهَدَّمَ في الكلام؟
مرآةٌ تمشي
أُصادقُني… كي لا أموتَ ببطءِ الشبهات،
كي لا أبيعَ ملامحي لِسوقِ المدائح.
أُصادقُني… لأنَّ غربتي طاولةٌ بلا رفاق،
ولأنَّني حينَ أجلسُ إلى نفسي،
أسمعُ في صدري مدينةً تُضيءُ بلا كهرباء.
تعويذةُ الرفق
لا تجلدوا الطفلَ الذي يسكنُ فينا؛
أصواتُكم العاليةُ تُطفئُ شمعَتَه،
وقسوتُكم تضعُ الملحَ على خبزِهِ اليابس.
قولوا له: أخطأتَ؟ حسنًا… سنجرِّبُ من جديد.
قولوا له: بكيتَ؟ حسنًا… الماءُ يُنضجُ البذور.
قولوا له: خِفْتَ؟ تعالَ نُربِّي في الظلِّ جناحَيْن.
رسائلُ الألم
كلُّ جرحٍ بريدٌ يصلُ في غيرِ موعده،
يقولُ: «كان عليكَ أن تُنصِتَ أكثر،
كان عليكَ أن تُضَمِّدَ الليلَ بالقُربِ لا بالهَرب».
الألمُ معلِّمٌ لا يرتدي معطفًا أبيض،
ولكنَّهُ حينَ يخرجُ من الصفِّ
يتركُ على لوحِ القلبِ درسًا لا يُمحى:
أنَّ أقسى الطرقاتِ هي التي تعلِّمُنا لُغَةَ الأعشاب،
وأنَّ الغيومَ الثقيلةَ وحدها تعرفُ معنى المطر.
فلسفةُ الخوف
الخوفُ ليسَ وحشًا، إنَّهُ يتيمٌ يطلبُ يدًا تُمسِكُهُ لئلّا يضيع،
إنَّهُ ظلٌّ بلا صاحب،
فإنْ هربتَ منهُ صارَ ليلًا،
وإن عانقتَهُ صارَ مظلَّةً تمشي معكَ في رذاذِ الغياب.
قلْ لِخوفِكَ: اجلسْ خلفَ المقودِ،
لكنَّ الطريقَ على اسمي.
سلامٌ يتنفَّس
تعالوا نتعلَّمُ رياضةَ الصمت،
أن نضعَ على فوضانا يَدًا من هواء،
أن نقولَ للساعةِ: امشِي على مهل،
فهنا قلبٌ يُعيدُ ترتيبَ أثاثِه.
السلامُ ليسَ هدنةً مع العالم،
السلامُ رُخصةٌ نسوقُ بها دفءَنا من دونِ حادث.
حرِّيَّةٌ من داخل
لا تصدِّقوا الأقفالَ؛
السجونُ التي تعلَّقُ في العيونِ أخفُّ من تلكَ التي تُعلَّقُ في الكلام،
وأخفُّ منهما سجنُ الرضا بما لستَ أنتَ.
الحرِّيَّةُ أن تمتلكَ حقَّ أن تقولَ «لا»،
وحقَّ أن تقولَ «نعم»
من غيرِ أن تهديَ قرارَكَ للريح.
حبٌّ يعلو على الفناء
الحبُّ ليسَ ذريعةً للبقاءِ قريبًا،
هو قدرةٌ على أن تُنبتَ قمحًا في قلبِ من تبتعدُ عنه،
قدرةٌ على أن تتركَ ماءك في جرَّةِ الغريب.
الحبُّ لا يقولُ: «أنتَ لي»
بل يقولُ: «أنا معك»
حتى إذا افترقَ الطريقُ،
ظلَّ ظلُّنا يلوِّحُ لبعضهِ من جهةِ الروح.
وطنٌ في الجيب
قِيلَ: «الوطنُ حيثُ لا تُطرَدُ من نفسك».
وأقولُ: الوطنُ حيثُ إذا بكيتَ،
لا تبحثُ عن منديلٍ في الخارج،
بل تُخرِجُ من جيبِكَ حقلًا من قمح،
وتتركُ دمعتكَ تُسقيه.
وصايا إلى نفسي
إذا مرَّ بكَ الذنبُ، فمرَّ بهِ مرَّ السحاب:
أمطِرْ حكمةً واتركهُ يذهب.
إذا ثَقُلَ الليلُ، ضعْ على كتفِكَ سورةً من الأملِ وامشِ.
إذا ضاقَ صدركَ، تنفَّسْ كما لو أنَّكَ تُعلِّمُ الأرضَ كيفَ تُزهِر.
وإذا ناداكَ خوفُكَ باسمِكَ القديم،
فقُلْ لهُ: لقد كبرتُ… تعالَ نلعبْ في ساحةٍ أوسع.
نشيدُ الندوب
هذهِ الندوبُ أوسِمتُنا… لا تُخفِها.
قلْ للعالَمِ: هنا سقطتُ، وهنا نهضتُ، وهنا تعلمتُ الطريقَ إلى نفسي.
كلُّ ندبةٍ توقيعُ حياة،
وكلُّ توقيعٍ قصيدةٌ لم تكتملْ بعد.
بيانُ الصداقةِ الكبرى
سأكونُ لي كما لم يكنْ أحدٌ لي:
إذا تَفَتَّتَ صوتي جمعتُهُ من فمِ الأُمنيات،
إذا تهجَّيتُ اسمي على حافةِ الهاويةِ خَطَطْتُ تحتَهُ جسرًا،
وإذا نِمتُ على خوفٍ، أيقظتُني على صباحٍ من مهلٍ وحنان.
سأكونُ لي… لأنَّ الذينَ يُشبهونَني مشغولونَ مثلي بتضميدِ ما تشقَّقَ في الغيم،
ولأنَّ الطريقَ إذا خُلِيَ من الصحبِ،
امتلأ بأقدامِ الملائكة.
قافيةُ الرجاء
لا تيأسوا؛
القمحُ يتأخَّرُ أحيانًا كي يعلِّمَنا الصبر،
والنهرُ يحفُرُ في الصخرِ ليذكِّرَنا أنَّ اللينَ أقوى من الحديد.
لا تيأسوا؛
النهارُ يولدُ في آخرِ لغةِ الليل،
والطفلُ الذي فينا إذا ابتسمَ… تتسعُ الأرضُ مترًا آخرَ في القلب.
ختامٌ يفتحُ الأبواب
أنا لستُ كاملًا،
لكنَّني اكتشفتُ جمالَ النقصِ حينَ صالحْتُه،
واكتشفتُ أنَّ اكتمالي ليسَ نهايةً،
بل عودتي كلَّ مساءٍ إلى نفسي
وأنا أقولُ لها:
«كنّا شجاعتين اليوم:
شجاعةَ أنْ نَبكي حينَ وجَبَ البكاء،
وشجاعةَ أنْ نبتسمَ كي يرى الطريقُ قليلًا من الضوء».
يا أيُّها القلبُ…
اتَّسِعْ،
فإنَّ الذينَ يَعبُرونَكَ ليسوا غرباء،
إنَّهُم أنتَ في صورٍ أخرى.
ويا نفسُ…
كُنّي أفضلَ صديقةٍ لنفسِك،
كي يمرَّ هذا العالمُ عليكِ
مثلَ نسيمٍ يُعيدُ ترتيبَ الوردِ في حديقتك،
ومثلَ سفرٍ يعودُ إلى بيتٍ
لا يُغلِقُ بابَهُ على أحد