الثلاثاء ٢١ آذار (مارس) ٢٠٢٣
بقلم حسن عبادي

متنفَّس عبرَ القضبان (76)

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

عقّب الروائي رشاد أبو شاور: "نحن نقوم بأقل الواجب تجاه أبطال شعبنا. ثائر حمّاد بطل غير عادي أذّل جيش الاحتلال. شكرا للصديق حسن عبادي على التواصل مع الأسرى، وتوصيل اصواتهم وإبداعاتهم لشعبنا."
وعقّبت شيرين الحمامرة (أخت الأسير عز الدين): "بحب اتشكرك على زيارتك للقناص الملثم عزالدين الحمامرة، وبتشكرك لنقل الاسير من مجرد رقم لقصة بطولية. واكيد بالغ التحيات موصولة من العائلة. زيارتك لأخي عزالدين لها أثر بالغ في رفع المعنويات وأن الاسير ليس رقم. له حضور في حياتنا اليومية، قصص أبطال تنسج بحروف من ذهب، رغم تقصيرنا الواضح امام جبروتهم وصبرهم الا انهم حاضرين رغم سطوة زرد السلاسل والحملة الشرسة الممنهجة التي ينتهكها الكيان الهش ضد أبطال غيبتهم قسراً أقبية الزنازين. سيبقى عزالدين مخرز في عين المحتل هو والشرفاء في شتى بقاع المعمورة".

وعقّب الأسير المحرّر رأفت البوريني: "الحرية لعملاق القيد وليد دقة...والتحية والتقدير لك أستاذ حسن على جهدك الدؤوب للأسرى".

"إحنا مش منسيّين"

وصلت سجن عسقلان الساعة الثامنة صباح يوم الأربعاء 08.03.2023، وجدت السجّان بانتظاري ليخبرني أنّه تم نقل خليل أبو عرام أمس، وفي غرفة المحامين بدأت أتكهّن مَن الأسير الأوّل الذي سألتقيه، فأطلّ الأسير ثائر كايد قدورة حامد [1] "بيبي فيس" (رغم أنّه من مواليد 25.07.1980، وكأنّي بالزمن قد توقّف هناك)، وبدأ يحدّثني عن معرفته بي، ممّا قصّر المسافات وأزاح جليد لقاء أغراب للمرّة الأولى.

حدّثته بدوري عن حفل إطلاق "سلِّم لي على السفارة" و"سيّدة من لاباز" للكاتب منجد صالح يوم السبت الفائت في مركز يافا الثقافي/مخيّم بلاطة حيث جاء ذكره 6 مرات في الكتابين.

تناول الاغتراب السياسي والاجتماعي وأهميّة التواصل كهمزة وصل، وعلاقته بصديقي رشاد أبو شاور، الأب الروحي له. أخبرته عن مخطوطة رواية الصديق أحمد أبو سليم ووادي الحراميّة وأنّ الإهداء من نصيبه فطار فرحاً، وقال: "من يُنصفني يعطيني قوّة".

تحدّثنا عن الحياة اليوميّة خلف القضبان ومشروعة الأدبي والثقافي؛ عن العم أبو قصي، والصراع الدائم على إنسانية الأسير المُستهدفة، ويوميات الأسر، وعن التحقيق في عوفر البغيض عقِب صدور "فارس وبيسان".
أوصاني خيراً ببومة عسقلان لزميل الأسر هارون عياد.

حين اقترب موعد الفراق قال لي: "الآفاق التي تفتحوها تحفّز الأسرى. مهمّ لنا أنّ هناك من يهتم بنا وإحنا مش منسيّين".

مرّ الوقت مهرولًا وتواعدنا على لقاء قريب...بجولة سلواديّة.

"الكلبشات محزّزة"

بعد لقائي بثائر أطلّ الأسير عز الدين خالد حسين الحمامرة [2]، حاولت أن أعرّفه بنفسي فقال: لا حاجة للتعريف، فنحن زملاء، وأخبرني بأنّه محامٍ وباحث وبدأنا بنقاش حول الأدب كرسالة وفكر.
ما زال يشكّل خطراً أمنيّاً على الكيان ومنظومته (رغم اعتقاله منذ 06.03.2004) فيتعرّض للعزل بين الفينة والأخرى، لأوّل مرّة منذ أسره يتجوّل دون كلبشات، وحتى حين نقله من زنزانة لأخرى داخل نفس السجن ترافقه وحدة "النحشون"، وذات مرّة وحدتان وكلّ طاقم السجن المداوم، ويعتبر "بطل" التنقّلات من سجن لآخر، بمعدّل مرّة كلّ ثلاثة شهور، (نافسه في حينه على البطولة الأسير الراحل كمال أبو وعر، رحمه الله)، وجرّب كلّ سجون الاحتلال، بما فيه سجن أيالون المدني، وحتى داخل السجن ذاته يتم نقله من قسم لآخر بين الحين والآخر.

يخضع بشكل دائم للتفتيشات المخصّصة للبحث عن كتاباته، والسلطات تصادر كلّ قصقوصة ورق مكتوبة، و"ناقص يفتّشوا راسي إذا في شي مكتوب جوّاته".

يفكّر بنشر ما يكتب بعد تحرّره، وبدأ يحاورني (لبس قبّعة المحامي/الباحث) حول ما يُنشر من أدب الحريّة (عجبته التسمية عوضاً عن أدب السجون)، أهميّته وقيمته الأدبيّة وتنوّعه.

حين اقتربت لحظة الفراق، أزاح القميص عن رسغيه وأشار إلى آثار الكلبشات التي تغلغلت عميقًا فيهما وكأنّها أساور خُلِقت معه.

"فرجيني الواوا"

مباشرة بعد لقائي بثائر وعز الدين أطلّ الأسير وليد دقّة [3] مدبدباً وأخبرني أنّ ذلك إثر جلطة في رِجله يتعافى منها.

حدّثني بلهفة عن لقائه بميلاده يوم الإثنين والاستجواب الذي مرّ به معها؛ قالت له آمرة ناهية: فرجيني الواوا، فرجيني إجرك (كانت منتفخة جداً في لقائه السابق معها)، فرجيني لسانك، بسرعة! (سمعَت دردشات أنّ وليد عضّ لسانه خلال زيارتها لفرنسا وأرادت أن تطمئن بنفسها).

حدّثته عن مشوار عمان وحفل إشهار وتوقيع "سر السيف" في رابطة الكتّاب الأردنيين، وانفعاله لمشاهدة ميلاد تخربش وتوقّع على الكتاب من خلال برنامج "عمالقة الصبر" لسامر تيّم، صارت ميلاد بنت الحركة الأسيرة، وغرست بذور الأمل في الكثيرين منهم. صورتها عبر شاشة التلفزيون توقّع الكتاب في عمان لا تفارقه ليل نهار، وأعرب عن جزيل شكره لكلّ من ساهم في إنجاح الحفل.

تحدّثنا عن السجّانات؛ "مش شايفهن من سانتي، مش شايف فرق بين سجّان وسجّانة" ولا يلمس أيّة أنوثة فيهن، ويجنّ جنونه حين يحاول أحدهم ممازحة و/أو مداعبة ميلاده ساعة الزيارة.

تناولنا مطولًا فكرة الأنيميشن و/أو الكوميكس لكتابيه – سر الزيت وسر السيف-في الأردن.

لكم أعزاءي ثائر وعز الدين ووليد كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكم ولجميع أسرى الحريّة.

الهوامش

[1] الأسير ثائر حماد، اعتقل يوم 3 أكتوبر 2004، حكم بالسجن المؤبد المكرر 11 مرة.
[2] الأسير عز الدين الحمامرة، اعتقل يوم 6 آذار 2004، حكم بالسجن المؤبد المكرر 9 مرات.
[3] الأسير وليد دقّة، اعتقل يوم 25 آذار 1986، حكم بالسجن المؤبد الذي حُدّد فيما بعد بسبعة وثلاثون عامًا، أضيف عليها سنتان يوم 28 أيار 2018.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى