الأربعاء ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥
بقلم ليلى أورفه لي

مزامير القبطان

ويا من كلَّ يومٍ على خشبةِ البحر تُصلَبينَ،
وتُسمّرُ يداكِ بالحصار،
وتُثقَبُ أقدامُكِ بجوعِ الأطفال،
ومن جنبِكِ المطعونِ
يدفقُ الدمُ نهرَ قيامةٍ، وينبوع ماء
يُعمّدُ وجه العالم،
ويُعيدُ إلى الأرضِ ملامحَها الأولى،
ما قبلَ التكوين.

أنا الغريبُ الذي ما عرفتُ وجهكِ، يا غزّة،

وأنا الغريبُ الذي يرى الآن وجهكِ،

ملامحَ كوكبٍ يرفضُ الانكسار،
ويراك
مدينةً من ملحٍ ودمع،
في قلبِ البحرِ شمساً لا تغيب.

أنا البحّارُ الذي

يراكِ في الحصارِ،

ترتفعين بين الركامِ كالنخلة،

تُلقين ظلَّكِ على السماءِ،

وتجعلين الغيومَ أجنحةً للفقراء.

انا البحار الذي وجدك
فضاءً ضاق على الطغاة،

فيه كلُّ ليلةٍ

يولدُ قمرٌ من دمِ شهيدٍ،

ينيرُ الطريقَ للأقدامِ الموجوعة،

للخطى الممزّقة،

ويعلّمُ الأطفالَ كيفَ النجومُ لا تنطفئ.
أسمعُ، يا غزّة،

صراخَ حجارتكِ في وجهِ الدبابات:

أنا الناجيةُ ولستُ الضحية،

لستُ الضعيفةَ، بل أمُّ القوة،

أنا التي تُطعمُ الموتَ من صبرِها،

وتضحكُ في وجهِ الجلّادِ حتى يرتجف.

غزّة،

كلُّ شهيدٍ فيكِ يرفعُ جدارًا من ضوء،

وكلُّ جريحٍ يزرعُ في الترابِ قصيدةً

وفي رحمِكِ جنيناً منذوراً للحرية،

وكلُّ امرأةٍ تلدُ بين الصواريخِ وطنًا جديدًا.
غزّة،

أيتها الخالدةُ في ليلٍ يتكسّر،

يا مائدةَ الجوعِ المضيئةَ بالكرامة،

يا صرخةً لا تنطفئ،

يا قصيدةً لا يكتبها أحد،

بل تكتبُ نفسها بدمٍ لا ينضب.

ويا من كلَّ يومٍ على خشبةِ البحر تُصلَبينَ،
وتُسمّرُ يداكِ بالحصار،
وتُثقَبُ أقدامُكِ بجوعِ الأطفال،
ومن جنبِكِ المطعونِ
يدفقُ الدمُ نهرَ قيامةٍ، وينبوع ماء
يُعمّدُ وجه العالم،
ويُعيدُ إلى الأرضِ ملامحَها الأولى،
ما قبلَ التكوين.

أنتِ لستِ مجرّدَ اسم،
أنتِ الألمُ والرجاء،
الصليبُ والقيامةُ معًا.
أنتِ، يا غزّة،
لا تُدفنينَ في القبر،
لأنّ الحجرَ يتدحرجُ كلَّ صباح،
ويخرجُ من بينِ الركامِ نشيدٌ،
يصعدُ بخورًا
إلى عرشِ الله.
ومن عريكِ المضيءِ
تتجلّى روحُ البطولة،
وأطفالُكِ الموتى جوعاً
يصيرونَ كخبزِ القربان،
خبزًا يُوزّعُ على العالم،
ليتعلّمَ كيف يكونُ الجسدُ واحدًا،
والألمُ واحدًا،
والخلاصُ واحدًا.
غزّة،
أنتِ لستِ مجرّدَ اسم،
أنتِ امتحانُ الأرضِ للسماء،
وصوتُ العدلِ في حنجرةِ العالم.
منك...
منكِ يتعلّمُ الحجرُ كيف يكونُ قلبًا،
ومن عينيكِ يتعلّمُ البحرُ كيف يصبرُ،
ومن أقدامِكِ الحافيةِ يتعلّمُ الطريقَ
معنى الحرية.
فيكِ...
فيكِ يتفتّتُ الخوف،
وفيكِ ينهزمُ الظلام.
أنتِ القصيدةُ التي لا تُمحى،
والأغنيةُ التي لا تُسكت،
والوطنُ الذي لا يُقهر،
وأنا، قبطانُ السفينةِ، المطعون مثلك،
أحملُ في كفّي وجعَ الأمواج،
وفي قلبي نشيدَكِ، يا غزّة.
قد فهمت
كيف البحرُ يسجدُ عند قدميكِ،
ورأيتُ كيف الصخرُ يورقُ من دمكِ،
والمراكبُ تأتي لتُقبّلَ حريتك المصلوبة.
يا غزّة،
ما كنتِ حربًا،
بل سَفرَ خلاصٍ في ليلِ العالم.
وهنا، عند شاطئكِ،
يتعلّمُ القبطانُ
أنَّ العودةَ إلى المعنى وليست إلى الميناء،
هنا، عند شاطئكِ،
تنكسرُ الموجةُ الأخيرةُ،
وتلدين يا غزة أرضاً جديدة وسماءً جديدة.
7/10/2025


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى