الخميس ١٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
بقلم يحيى السماوي

مسبحة للتي ليست تسمى ج3

(13)
 
شـجّ جـدارُ الـقـلـق ِ الـوحْـشِـيِّ رأسـي ..
سـالَ خـيْـط ٌ مـن دم ٍ
عـلى رصـيْـف ِ الـوقـتِ بـيـن آخـر ِ الـلـيـل ِ
وبـيـن الـصُّـبْـحْ
فأدْخَـلـونـي غـرفـة ً بـيـضـاءَ مـثـلَ الـمِـلـح ِ
أو مـثـلَ ضَـمـاد ِ الـجُّـرح ِ
أو مـثـلَ نـديـفِ الـثـلج ِ فـي الـغـربَـة ِ
أو مـثـلَ أداة ِ الـذّبْـحْ ..
وكـنـتُ أرجـو أن أرى شـرشـفـهـا
يُـشـبـهُ فـي بـيـاضِـهِ
فـسـتـان َ عُـرس ِ غـادتـي الـزهـراء ِ
أو
يُـشـبـهُ زهـرَ الآس ِ في لـيـلـة ِ
عِـيْـد ِ الـفـصْـحْ!
.............
.................
.....................
 
أجْـلـسَـتـنـي امـرأة ٌ تـعْـتـمِـرُ الـقُـبّـعَـة َ الـبـيـضاءَ
فـوق مـقـعـد ٍ شِــبـه ِ وثـيـر ٍ
سـألـتـنـي بـعـدمـا قاســتْ لـيَ الـضّـغـط َ..
ونـبْـضـي ..
ورأتْ إشـارة َ الـمِـحْـرار:
كـمْ عُـمْـرُكَ «يـايـا»؟ [1]
فـأجَـبْـتُ :
 
أنا يـاسـيّـدتي مـا زلـتُ
فـي رَحْـم ِ «الـتي لـيْـسَـتْ تُـسَـمّـى»:
نُـطْـفـة ً تـأمَـلُ أنْ يُحـضـنـهـا صـدرٌ وبَـَيـتُ..
 
أتُـرانـي
دون َ أنْ أدري:
اكتسـى عـظـمـيَ لـحْـمـا ً
فـوُلِـدتُ ؟
 
أتـرى أنَ الـدمَ الـنـازف مـن رأسـي
بـقـايـا مـن دم الـطّـلـق ِ
ولـكـنـي جَـهـلـتُ؟
 
إنـنـي أعـرفُ نـفـسـي: لـمْ أعِـشْ بـعـدُ ..
فـهـل يُـمْـكِـنُ أنْ يـحْـدثُ قـبـلَ الـعـيْـش ِ
مـوْتُ ؟
.....
.......
فـغَـرَتْ فـاهـا ً وعـيـنـيـن ِ ..
وزمّـتْ شـفـتـيْـهـا ..
نـظـرَتْ لـيْ بـذهـول ٍ
حـدّثـتْ صـاحِـبَـهـا بـالإنـكـلـيـزيّـة ِ
لـكـنـي فـهِـمْـتُ ..
 
أتُـراهـا حَـسِـبَـتـنـي
لا أعـيْ قـولـي
وأنّ الـبُـعـدَ عـن كـعْـبـة ِ«صـوفـائـيـل َ»
أضـنـى مـا تـبـقّـى مـنْ لُـبـابـي
فـجُـنِـنـتُ ؟
 
فـأنـا إنْ لـمْ أكـنْ عـاشِـقـهـا الـمــجـنـونَ ..
والـمُـبْـحِـرَ حـتـى غَـرَقـي عِـشـقـا ً
لـمـاذا قـدْ خُـلِـقـتُ؟
 
ســألــتـنـي مـرة ً أخـرى بـريـب :
كـمْ مـضـى «يـايـا» عـلى حـالـكَ؟
قـلـتُ :
 
لـسْـتُ أدري ..
ربّـمـا مـرَّ عـلـى الـحـالـة ِ كـأسـان ِ مـن الـدّمـع ِ
وحَـبْـلٌ ـ طـولُـهُ الـلـيـلُ ـ مـن الآهـات ِ
أو مـرَّ عـلـيـه ِ الـغـدُ ..
لا أعرف بـالـضّـبـط ِ ..
الـذي يـعـرفُه قـانِـتـتـي الـزهـراءُ ..
لـو أعـرفُ قـلـتُ ...
 
حَـسَـنـا ً ـ قـالـتْ ـ بـرفـق ٍ:
مُـدّ لـيْ سـاعـدَكَ الأيـمـن َ «يـايـا»...
فـمَـدَدْتُ ..
 
زرَقـتْـنـي إبـرةً ...
جَـسّـتْ جـبـيـنـي ..
لـحـظـة ٌ مـرّتْ ..
وأخـرى ...
غـامَـتِ الـغـرفـة ُ ..
غـامَ الأبـيـضُ الـنـاصِـعُ ..
غـامـتْ حـدقـاتـي ...
وغـفـوتُ!
 
زارَنـي في الـطّـيـف ِ " صـوفـائـيـلُ "
غـطّـانـي بـورد ٍ ..
رشّ جُـرحي بـزفـيـر ٍ
فـيـهِ نـفـحُ الـفـلِّ ..
والـرّيـحـان ِ ..
والـنـعـنـاع ِ ..
دفءُ الـخـبـز ِ ..
طـعْـمُ الـقـبـلـة ِ الأولـى الـتـي كـانـتْ
وكـنـتُ
 
نـتـسـاقـاهـا إذا ثـرثـرَ عِـطـرُ الـلـيـلِ
واسْـتـفـحَـلَ صَـمْـتُ !
(14)
 
يـا الـتـي تـخـتـزلُ الأشـيـاءَ ..
والأسـمـاءَ ..
حـتـى أصـبـحـتْ إسْـمـا ً لِـمـا
لـيْـس يُــسَـمّـى ..
 
يـا تُـرابـا ً ..
وسَـمـاءً ..
ونـخـيـلا ً ..
وفـراتـيـن ِ ..
ولـيـلايَ ..
ونـجـوايَ ..
ونسـرين ُ..
وسـلـمـى:
 
نِـعَـمُ الـلّـه ِ كـثـيـراتٌ ..
وبـعـضُ الـوَجَـع ِ الـقـاتِـل ِ نُـعْـمى
 
حَـبّـةُ الـقـمح ِ إذا لم تـنـفـلـقْ
داخـلَ طيـنِ الـحَـقـل ِ
لـن تصبحَ لـلـبـيـدر رَحْـمـا
 
ورغـيـفُ الخـبـز لـولا الـنـارُ
مـا اسْـتُـعْـذِب طـعْـمــا
 
فـأذيـبـيـنـي كـمـا شِـئــتِ
فـإنّ الـذّهَــبَ الإبـريـز لـولا الـجَّـمْـرُ [2]
مـا كـان الأتـمّـا
 
وأنـا لـولا ذنـوبُ الأمْـسِ
مـا جـئـتُ إلى واحـاتِـك ِ الـزهـراء ِ
تـوّابـا ً مـن الـشّـوك ِ
وأسْــتـسْـقـي هَـديـلا ً يوقِـظُ الــنّـايَ الأصَـمّـا
 
ولـمـا أصْـبَـحْـتُ فـي مِـحْـرابِـك ِ :
الـنّـاطـورَ ..
والـسّـادِن َ ..
والـنـاهِـلَ مـن يـنـبـوعِـك ِ الـضّـوئـيّ حِـلـمـا
 
فـأمِـيـتـيـنـي شـهـيـدا ً..
وابـعـثـيـنـي مـن جـديـد ٍ :
نـاسِـكَ الـقـلـب ِ ..
شــفـيــفـا ً ..
طـاهِــرَ الأردان ِ أحـلامـا ً
وهَـمّـا ..
 
صَـيّـريـنـي عـبـدَ عـيـنـيـك ِ
لأغـدو
لـعـيـون ِ الـحُـلـم ِ حُـلـمـا
 
وانـفـضـي عـن شـجَـري:
الـذابـلَ والـيـابـسَ ..
والـغـصـنَ الـذي يـجـلـدُ عـصـفـورا ً ..
خـذيـنـي لِـلـمُحِـبـيـن ظِـلالا ً
وعـلى مُـسْـتـذئِـبٍ قـوسـا ً وسَـهْـمـا
 
وطّـنـيـنـي الـنـهــرَ ..
والــبُــسـتـان َ ..
بـيـتَ الـطـيـن ِ
لا بَـدرا ً ونـجْـمـا
 
فـأ نـا قـبـلـك ِ يـا مُلـهِـمـتـي كـنـتُ بَـلـيـدا ً ..
أنـبـذُ الــشّـهْــدَ ..
وأحْـسـو فـي كـؤوس الـعِـشـقِ
سَــمّـا !

[1بسبب صعوبة نطق حرف الحاء بالنسبة للناطقين بالإنكليزية فإن زملائي وأصدقائي الأستراليين في اتحاد الشعر وفي رابطة قلم ينادونني «يايا»، وهو نفس الإسم الذي خاطبتني به الطبيبة والممرضة.

[2الإبريز: الذهب الصافي / معربة عن اليونانية والفارسية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى