الخميس ٢٤ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم يحيى السماوي

مسبحة للتي ليست تسمى

الجزء الأخير
(31)
_ جـرّبْـتُ يومـا ً أن أكون سِـوايَ..
غـيـرَ الـسّـومـريّ الـزّاهـد ِ
المـسـكـون ِ بأمـرأة ٍ
ومـشـحـوف ٍ «يـطـرُّ الـهـورَ»..
يـخـرجُ فـي الـصّـبـاح ِ بـعُـدّة ِ الـصّـيْـد ِ الـقـديـمـة ِ :
« فـالـة ٌ» و«الـزّهْـرُ » ..
« قوري الـشّـاي» و «الـخـبـزُ الـرقـيـقُ»
فلا يعـودُ قُـبَـيْـلَ قـهـقـهـة ِ الأصـيــلْ
 
جَـرّبْـتُ يـومـا ً أنْ أكـون سِـوايَ
غـيـرَ الـبـابـلـيِّ ..
كأنْ أكون الطائـرَ الـجَـوّالَ
والغـجـريَّ لا وطـن ٌ لـهُ غـيـرُ الفضاءِ
وخيمةٍ تُـطـوى بلا تـعَـبٍ
إذا أزِفَ الـرّحِـيــلْ
 
أبدلـتُ بـالـيـشـمـاغِ قُــبَّـعـة ً ..
وبـالـمَـشـحوفِ نـعْـلَ تـزلّـج ٍ ..
وبـطـاسَـة ِ الـلـبَـنِ الـخـضيـض ِ الكأسَ ..
والـسُّـمَ الـمُـعـتّـقَ
بالـنّـمـيـر ِ الـسّـلـسـبـيـلْ
 
طـوَّفـتُ في مُـدُنِ الـنُّـحـاس ..
قـطـفْـتُ مـن روض ِ الـثـغـور ِ الـوردَ ..
لـكـنْ :
فـي الـحقـيـقـةِ لم يـكنْ إلآ رمـادا ً
غـيـرُ أنَّ الـسّـومـريَّ
تـوهَّـمَ الـجـنـفـاصَ قَـزّا ً ...
كان يـجْـهَـلُ مـا يُـريـدُ
ولـم تـكـنْ فـي حـيـنـهِ الـعـنـقـاءُ قـد هَـبَـطـتْ ..
و" صـوفـائـيـلُ " ذاك الـوقـتُ
لـمْ تـبْـعَـثْـه ُ بـالـبُـشـرى
لـذا فـالـسّـومـريُّ أضـاعَ قِـنـديـلَ الـسّـبـيـلْ
 
جـرّبْـتُ يـومـا ً أنْ أعـيـشَ تـمَـرُّدي
فـي جَـنّـة َ الـمُـتـشـرّديـنَ :
غـفـوتُ في الـمُـتـنـزّهـاتِ
وفي مَـحـطـاتِ الـقـطـاراتِ الـقـديـمـة ِ ..
قـاسَـمَـتْـنـي غـادةٌ " روسِـيّـة ٌ " مـأوايَ
فـوق الـمَـصْـطـبـات ِ ..
وفي الـمـزارع ِ ..
فـي بـيـوت ٍ بَـخـسَـة ِ الإيـجـار ِ
يَـنْـدرُ أنْ يـعـودَ إلـى أسِـرّتِـهـا ـ إذا خـرجَ ـ الـنّـزيـلْ
 
وصَحَـبْـتـهـا فـي رحْـلـتـيْـن ِ ..
وحـيْـنـمـا أفـلـسْـتُ :
بـعـتُ الـخـاتـمَ الـذهـبـيَّ والـسّـلـسـالَ..
عِـشـنـا لـيْـلــة ً حـمـراءَ
فـي نُـزْل ٍ يُـطِـلُّ عـلـى مَـضـيــق ِ " الـدّرْدَنـيـلْ "..
 
ثـمّ افـتـرقْـنـا بـعـد يـوم ٍ واحِـد ٍ
ذهـبَـتْ إلى " هِـنـغـارِيـا " ..
وأنـا اتّـجـهْـتُ إلـى " بـلـغـرادَ " ..
الـحـقـيـقـة ُ لـمْ أفـكّـرْ بـالـرّحـيــلْ
 
لـكـنّـمـا " اسْــتـنـبـولُ " :
مـوحِـشـة ٌ بلا مـال ٍ تـنـشُّ بـه ِ
ذئـابَ الـوحـشـة ِ الـخـرسـاء ِ
فـي الـلـيـل الـطـويـلْ
 
ودّعـتُ «آشـا»
صـارتِ « اسـتـنـبـولُ» " ضـيّـقـة ً
وكـنـتُ عـلـى شـفـا الإفلاسِ
فـاخـتـرتُ الـتـوجّـه َ لـلـسـمـاوة ِ
غـيـر أنّ الـمـارق َ الـشّـيـطـانَ أغـوانـي ..
فـيَـمَّـمْـتُ الـحـقـيـبـة َ نـحـوَ " صـوفِـيّـا " ..
رقـصْـتُ ...
ثـمـلـتُ ...
نـمـتُ بـفـنـدق ٍ ..
أفـلـسْـتُ:
بعـتُ الـسّـاعـة َ الـرّولـكـس ..
بعـتُ الـسـتـرةَ الـجـلـديـّـة َ ..
الـقـمـصـان َ ..
بعـتُ حـقـيـبـتي ..
سـأعـودُ ـ قـالَ الـسّــومَـريُّ ـ إلى الـحـقـيـقـة ِ :
لـنْ أكـون سـوايَ ..
يـأبـى أنْ يـفـرَّ مـن الحـمـامـة ِ
ســيّـدُ الـشـجـر ِ الـنـخـيـلْ
 
فـرجـعـتُ صَـبّـا ً سـومَـريّـا ً:
يـرتـدي وردا ً
ويـصـنـعُ لـلـتـي لـيـسَـتْ تُــسـمّـى:
مِـعْـضَـدا ً مـن فِـضّـة ِ الـكـلـمـات ِ ..
ثـوبـا ً مـن زهـور الـيـاسـمـيـن ِ ..
حُـلـىً ... ومِـسْــبـحـة ً.. وشـالا ً
مـن يـواقـيـتِ الـهَـديـلْ !
 
ورسـالـة ً بـيـضـاءَ مـن عَـتَـبٍ
مُـبَـلـلـة ً
بـدَمـع ِ نـدامَـة ِ الـقـلـبِ الـمـوَزّع ِ
بـيـن مـفـتـاح ِ الـغـد ِ الـمـاضـي
وبـاب ِ الـمـسْـتـحـيـلْ :
 
أأنـا قـتـلـتُ بـسـيْـفِ وهْـمـي
الـسّـومـريَّ الــعـاشـقَ
الـمـسـكون َ بـامـرأة ٍ
ومـشـحـوف ٍ " يـطـرُّ الـهـورَ "
أمْ كـنـتُ الـقـتـيـلْ ؟
 
أيّـا ً أكـونُ :
فـإن مُـلـهِـمَـتـي الـتي لـيـســتْ تُـسـمّـى
لم تـكـنْ قـد أرسـلـتْ بالأمـس «صـوفـائـيـلَ»
فـانـزَلـقَ الـفـؤادُ عـن الـسّـبـيـلْ
 
*******
 
(32)
 
خـلـعْـتُ أمـسـي
فـانـسـجـي لـيْ بُـردةً تـسْـتُـرُ يـومـي ..
طـهّـريـنـي مـن ذنـوبِ الـمـطـر الأسـود ِ ..
مـن خـطـيـئـةِ الـلـذاذةِ الـحـمـقـاءْ
 
أنـا هـو الــنـهــرُ الـذي جَـفَّ
وحـيـن جـئـتِـهِ فـاض نـدىً
فـقـامـتِ الـواحـاتُ فـي الـصـحـراءْ
 
وكـنـتُ يـاقـانـتـتـي قـبـلَ هـواكِ تـائـهـا ً
أبـحـثُ فـي الأرضِ عـن الـنـجـم ِ
وفـي الـسـمـاءِ عـن ظِـبـاءْ
 
كـان سـريـري وطـنـا ً
حـدودُهُ الـنـسـاءْ
 
مـئـذنـتـي غـادَرَهـا الأذان ُ ..
فـالـوضـوءُ راحٌ ..
والـتـراتـيـلُ الـتـي أحـفـظـهـا عـن ظـهـرِ لـهـو ٍ
كـانـتِ الـغـنـاءْ
 
وكـان من قـبـلِـكِ نـهـري
مـحـضَ قـبـر ٍ
لـجـثـامـيـن الـنـدى والـمـاءْ
 
أبـرهـةُ الـضـلّـيـلُ كـان فـي دمـي
وحـيـنـمـا بـعـثـتِ " صـوفـائـيـلَ " لـيْ
صـار فـمـي مـئـذنـة ً
وفـي عـروقي دمُ أولـيـاءْ
 
كـفـرتُ بالـيـاقـوتِ والـفـضَّـةِ ..
كوخي جَـنـة ٌ أرضـيـة ٌ
يـجـري بـهـا نـهـران ِ يَـمـتـدّانِ
بـيـن الأرضِ والـسـمـاءْ
 
أبدأ كـلَّ لـيـلـة ٍ عـلـى بُـراقِ نـخـلـةٍ
بـرحـلـةِ الإسْـراءْ
 
مـا لـيْ ولـلـحـسـانِ يـاقـانـتـتـي
وأنـتِ عـنـدي غـابـةٌ شــاسِـعـةٌ
مـن شـجَـرِ الـنـسـاءْ ؟
 
(33)
 
فـي عـيـدِ مـيـلادِ الـحـدائـقِ
راودَتْـنـي وردة ٌ عـن عِـطـرهـا ..
بـيـضـاءَ كـانـتْ
مـثـلَ أحـلام ِ الـتـي لـيـســتْ تُـسـمّـى ..
قـلـتُ فـي نـفـسـي : سـأقـطـفـهـا ..
مـددتُ يـدي
فـكَـرَّ عـلـيَّ سِـربٌ مـن فـراشـات ٍ
سـقـطـتُ مُـضَـرَّجـا ً بـالـخـوفِ
مَـغـشِـيّـا ً عـلـيّـا
 
هل كان يومَ الـحَـشْــر ِ ؟
أمْ أنّ الـذي أبـصـرتُهُ
هـذيٌ ثـقـيـلُ الـهـذر ِ
مـن أثـر ِ الـحُـمَـيّـا ؟
 
أبصـرتُ أزهـارَ الـحـديـقـة ِ تـشـتـكي حَـمَـقـي
وحـيـن نـكـرْتُ
جـاء الـصـوتُ ـ يـشـهـدُ للـحـديـقـة ِ ـ
مـن يـديّـا
 
فـخـجـلـتُ مـنـي
واسْـتـحْـتْ عـيـنـايَ مـن وجـهـي
وروحـي غـادرَتْ جـسـدي
فـصـحـتُ بـهـا : أغـيـثـنـي ..
فـقـالـتْ : لاتَ وقـتَ نـدامـة ٍ
فـاخـلـدْ بـنـار الإثـم ِ
مـلـعـونـا ً شـقِـيّـا
 
فـسـقـطـتُ ثـانـيـة ً بـبـئـر الـخـوفِ
مـغـشـيّـا ً عـلـيّـا
 
قُـمْ ـ صـاحَ صـوتٌ ...
فـاسْـتـفـقـتُ ..
وجـدتُ " صـوفـائـيـلَ " قـربـي ..
قـال :
تُـهـديـكَ " الـتـي لــيــسَــتْ تُـسـمّـى " :
عِــشـقــهـا ..
وكـتـابَ عِـفّــتِـهـا ..
فـخـذهُ بـقـوّة ٍ
واصْـدعْ بـنـورِ صَـبـاحِـهِ
الـلـيـلَ الـدّجـيّـا
 
وتـقـولُ : يـا يـحـيـى الـسـمـاويُّ الذي خَـبَـرَ :
الخـنـادقَ ..
والحـدائـقَ ..
والـعـذابـاتِ ..
الـمـســرّات ِ..
الـذي مـضـغَ الـلـظـى والـصّـابَ ..
والـعـذبَ الـشّـهـيّـا
 
إنـي قَـبَــلـتُـكَ تـائِـبـا ً
فـاحـذرْ جـنـوحَـا ً عـن صِـراطِ الـيـاسـمـيـن ِ ..
كُـن ِ الـحـديـقـة َ لـلـفـراشـةِ ..
والـظـلـيـلـة َ لـلـحَـمـامَـة ِ ..
لـلـضّـريـر ِ الـدربَ والـعـكـازَ ..
لـلـرّاعـي الـرّبـابـة َ ..
لـلـغـزالِ الـخـائِـفِ الـظـمـآن ِ رِيّـا ..
 
وتـقـولُ :
يـا يـحـيـى الـسّـمـاويُّ
الـشـهـيـدُ الـحـيُّ
والـحـيُّ الـشـهـيـدُ
وخـاتـمُ الـعـشّـاق ِ فـي عـصـر ٍ
يـضـجُّ خـنـا ً وغـيّـا
 
الـيـومَ قـد أكـمـلـتُ سِــفْـرَكَ ..
فـانـطـلِـقْ بـرسـالـة ِ الـعـشـقِ الـمُـقـدَّس ِ
كـنْ رسـولـي فـي الـهـوى
حـتـى يُـعـادَ الإعـتِـبـارُ
لـعَـقـلِ " قـيـسِ بـنِ الـمـلـوّحِ "
و" الـشـريـدِ الـسّـومـريِّ "
ويـسْـتـعـيـدَ عَـفـافـهُ :
الـوَجْــدُ ..
الـتـهَــيُّــمُ ..
يَـسْــتـحـيـلُ الـعِــشــقُ خـبـزا ً لـلـقـلـوبِ
فـلا يـعـودُ الـحـزنُ سـيـمـاءَ الـمُـحَـيّـا
 
وتـقـولُ
يـا يـحـيـى الـسّـمـاويُّ
الـمُـضـرَّجُ بـالصَّـبـابـة ِ
كـنْ بـعِـزّة ِ سَــيِّـدِ الـشّـجَـر ِ الـنـخـيـل ِ :
يـمـوتُ مُـنـتــصِـبـا ً ..
ومـثـلَ الـوردِ :
لـو ذبـحـوهُ يـبـقـى عـطـرُهُ
يـذكـو شـذِيّـا
 
الـعِــشْـقُ بـابٌ لـلـخـلـودِ
فـإنَّ " قـيـسَ بـنَ الـمـلـوّح ِ "
لـمْ يـزلْ لـلـيـوم ِ حَـيّـا
الجزء الأخير

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى