وجد نفسه مكتوبًا
الصباح لا يبدأ بالشمس، بل يبدأ بالناس…
وبعض الناس يبدأ نهاره بالورق.
وحسّون واحدٌ من أولئك الذين لا تراهم المدينة إلا من خلال ظلّ كتابٍ مفتوح.
كانت الأزقّة تُعيد ترتيب أحلامها كلَّ فجر، بينما يتقدّم هو بخطًى خبِرت الإسفلت حتى حفظته، ويجلس عند رصيفه المعتاد مثل نقطةٍ ثابتة في عالمٍ يتغيّر كلّ يوم.
طاولةٌ خشبية، قطعةُ قماشٍ سميكة، وأكوامٌ من الكتب المتناثرة أمامه كأنّها أحجارٌ كريمة نسيها الزمن هنا، ليجدها من يستحق.
لم يكن الرصيف مكانًا للبيع فقط؛ كان مسرحًا صغيرًا تحدث عليه صداقةٌ بين الورق والهواء.
وهو، حسّون، كان الراوي الخفيّ لكلّ شيءٍ يحدث هناك…
في العشرين، لم يعرف لنفسه حياةً أخرى.
كان فقيرًا في البدايات، لكنه لم يشعر بالفقر يومًا: فالكتب كانت الباب الذي يدخل منه إلى العالم، والمعرفة كانت الثروة التي يكدّسها ليلًا بعد أن يطوي بساطه فوق العتبة.
على مدى ثلاثين عامًا صار اسمه يتردّد في مقاهي الأدباء:
«اذهبوا إلى حسّون… يعرف أين تجدون الكتاب.» وبعضهم قال مازحًا: «حسّون يعرف الكتب قبل أن تُطبع.»
كان جُلّ زبائنه أكبر منه سنًّا: شعراء وروائيون وكُتّاب مقالات في الصحف، يحدّثونه عن مدارس نقديّة فلسفيّة، وعن تاريخ الرواية، وعن الفكر الوجودي، وعن أسماءٍ لن تراها في الشارع، لكنّها تعيش على شفاههم.
فامتلأ عقل حسّون بحدائقَ من الأفكار، وتسلّل إليه الضوء من منافذ كثيرة حتى صار موسوعةً حيّة، يعرف الكتب، ويعرف أصحابها، ويعرف القُرّاء ونواياهم قبل أن يسألوا.
والأجمل أنّ صديقه الأقرب، كمال ظافر، كان رفيقًا روحيًا له.
كمال يكتب القصة، وحسّون يكتب الشعر.
وكثيرًا ما تبادلا دفاتر صغيرة: واحدٌ يقدّم نصّه، والآخر يعلّق، يناقش، يصحّح، ويبتسم.
كانت تلك الصداقة تشبه كتابًا مفتوحًا: ما فيه واضح، وما يُكتب فيه يُرى من بعيد.
في صباحٍ بدا عاديًا، حمل إليه موظّف النقليات مجموعةً من الإصدارات الحديثة.
استقبل المجموعة بفرحٍ طفولي، فهذه اللحظة هي أكثر ما يحبّه في مهنته:
لحظة فتح الصندوق، واستنشاق رائحة الورق الجديد، والبحث بين العناوين كمن يبحث في منجَم.
لكن هذه المرة… كان هناك كتابٌ لامعُ الغلاف جذب عينه قبل أي شيء.
عنوانٌ غريب، يشبهه، يلمسه، وكأنه يتحدث عنه هو. ابتسم لحظة رآه، ثم ضحك قليلًا: «كأنه أنا… ها، حسّون بائع الكتب!» ضحكةٌ خفيفة هاربة من فم رجلٍ يعرف أنه يمزح مع نفسه فقط.
سحب النسخة، قلبها بين يديه كما تُقلَب حياةٌ كاملة، وبدأ يصفّح دون أن يهتمّ باسم المؤلف. فالفضول قاده إلى العنوان مباشرة، لا إلى مَن كتبه.
جلس على الكرسيّ الخشبيّ المتعب، وأخذ يفتح الصفحات كما يفعل مَن يدخل بيتًا غريبًا لأول مرة. لم يكن في نيّته قراءة الكتاب فعليًا.
كان يريد فقط أن يعرف فكرته، ليخبر القُرّاء الشباب إن كان يستحقّ الشراء أم لا.
لكن الصفحة الأولى أسرته… ثم الصفحة الثانية… ثم الثالثة…
كانت اللغة تشبه صوتًا قديمًا يعرفه. وكان السرد يلمس أماكن داخله لم يلمسها كاتبٌ من قبل.
ومع كلّ جملة، كان يشعر أنّه يُسحَب إلى الداخل، إلى منطقةٍ بين الحلم والذاكرة، حتى تلاشت الأصوات حوله، وغاب عن الرصيف، وعن الباعة، وعن النهار.
وبعد عشر صفحاتٍ تمامًا… تجمّد. كانت الأحداث تتحدّث عن شابٍّ فتيٍّ يعمل بائعَ كتب.
شاب بدأ عمله في العشرين… شاب أحبّ الورق، وتعلّم من الأدباء، وتحوّل يومًا بعد يوم إلى موسوعةٍ ثقافية.
شاب يحمل ملامحه نفسها، وطريقته، وأسلوبه، وحتى ضحكته الصغيرة التي يطلقها عندما يقرأ عنوانًا يخصّه.
رفع رأسه من الكتاب، ونظر إلى الرصيف بتوتّر، ثم عاد إلى الصفحة، إلى اسمه تقريبًا… ليس اسمه، لكنه هو… هو بحذافيره.
همس لنفسه: «ما هذا…؟ من يعرف كل هذه التفاصيل؟»
أعاد تقليب الصفحات بسرعة، كأنّ أحدًا كتب سيرته دون إذنه، كأنّ أحدًا راقب حياته لسنواتٍ طويلة.
ثم فجأة… بحث عن اسم الكاتب. قلب الغلاف الخلفي. نظّف نظارته. أعاد النظر مرةً ثانية.
الاسم واضح: كمال ظافر. كمال… صديقه الأقرب. رفيقه في الكتابة.
مَن كان يشاركه النصوص والملاحظات والأحلام. شهق حسّون كأنه تلقّى ضربةً غير مرئية.
لم يفهم…
هل كتب كمال روايةً كاملة عنه؟
هل جعل منه بطلًا؟
ولماذا لم يخبره؟
هل هو سر؟
هل هي مفاجأة؟
أم رسالةٌ خفية؟
أم أنه استغلّ حكايته؟
أم أن الأمر أعمق من كلّ هذا؟
دخل في دوّامةٍ من التفسيرات التي تضرب العقل مثل حجارةٍ صغيرةٍ متتابعة.
أعاد القراءة من جديد، هذه المرّة بعينٍ أخرى، بعينٍ تريد أن تكشف ما بين الكلمات.
وكلّما تقدّم، وجد نفسه كما لم يره من قبل: وجد نسخةً منه يصفها الآخر، مصاغةً من الخارج، بدقّةٍ مدهشة، بحكاياتٍ صغيرةٍ لم يكن يظنّ أن أحدًا لاحظها.
حكاياتٍ عن الأدباء الذين كانوا يزورونه، عن النقاشات التي كانت تنشأ على الرصيف، عن أحلام شبابٍ جاءوا يسألون عن كتب الفلسفة، وعن أسماءٍ كبيرةٍ مرّت عليه مثل عابرين من جهة المجد.
كان كمال يرى كلّ شيء. يرصد دون أن يعلّق، ويجمع الخيوط، ويحوّلها إلى رواية.
بعض الأحداث رواها من أفواه الناس، وبعضها أخبره بها حسّون نفسه خلال سنوات الصداقة الطويلة.
توقّف حسّون عند مقطعٍ يقول فيه السارد ـ أي كمال في الواقع ـ
إنّ حسّون يشبه «بوّابة المعرفة الصغيرة التي لا يعرف الناس قيمتها إلّا بعد أن يبتعدوا عنها.»
كادت دموعه تسقط. كانت جملةً تشبه لمسةً على كتفٍ مُتعب.
بين الصفحة والصفحة، بدأ حسّون يدرك شيئًا لم يتوقّعه: كمال لم يكتب عنه بدافع السرّ… ولا بدافع الاستغلال… بل بدافع الامتنان. بدافع الاعتراف.
بدافع الحبّ العميق لصداقةٍ ظلّت واقفةً وسط كلّ هذه السنوات.
فهو، حسّون، لم يكن مجرّد بائع كتب بالنسبة لكمال… بل كان جزءًا من تكوينه الأدبي، كان المصدر، والمرشد، والنافذة التي أطلّ منها على الأدب حين كان ضائعًا.
ولذلك كتب عنه. ولذلك صنع له حياةً على الورق.
ولذلك جعله بطلًا لرواية.
أغلق حسّون الكتاب ببطء. لم يعد الرصيف كما كان قبل ساعة.
المدينة صارت نورًا مفتوحًا، والمارّة صاروا شخوصًا محتملين لكتبٍ جديدة.
نظر إلى النسخ المتراصّة أمامه.
ثم أمسك واحدةً، وضعها في صدر الطاولة، وكتب عليها بخطّه الجميل: «إصدارٌ جديد… رواية كتبها صديق العمر عن رجلٍ يشبهني كثيرًا.»
لم يقل إنّه هو.
لم يعترف.
لم ينكر.
ترك الأمر بين السطور، كما يفعل الأدباء.
وفي داخله… كانت جملةٌ واحدةٌ تتردّد: «لم أكن أعلم أن حياتي تستحقّ أن تُكتب…
لكن كمال عرف.» أخذ نفسًا عميقًا، وابتسم، ثم بدأ ينادي أوّل زبونٍ يمرّ: «تريد كتابًا؟ عندي هنا رواية… رواية قد تغيّر يومك.»
وهكذا… واصل حسّون بيع الكتب. لكنّ هذه المرّة كان يبيع كتابًا هو نفسه جزءٌ من حبره.
ولأوّل مرة… شعر أنّه ليس بائع كتبٍ فقط، بل بائع حكايةٍ حيّة، حكايةٍ كُتبت عنه، وعنه وحده. لم ينم حسّون جيّدًا تلك الليلة.
ظلّ الكتاب على الطاولة مثل مصباحٍ صغيرٍ مُضاء طوال الليل، يذكّره بكلّ جملة، بكلّ وصف، بكلّ فكرة تشبهه إلى حدّ الألم.
وبينما كانت الأزقّة تستعيد حركة الفجر، كان قلبه يتقدّم إلى يومٍ يشعر أنّه لن يشبه سواه.
كان يعرف أين يجد كمال ظافر: في المقهى القديم عند ضفّة دجلة، حيث الطاولات الخشبية تُصدر أصواتًا كأنّها تتذكّر كلّ الذين جلسوا عليها من قبل.
سار حسّون بخطًى مضطربة، تارةً يريد مواجهة كمال فورًا، وتارةً يريد أن يتراجع… وكأنّ الكتاب أخذ جزءًا من صوته وما زال يحتفظ به بين صفحاته.
كان كمال جالسًا في مكانه المعتاد، كوبُ شايٍ أمامه ودفترٌ صغيرٌ مفتوح.
وعندما لمح حسّون يقترب، أغلق الدفتر بسرعة، كما لو كان يخفي شيئًا آخر… شيئًا جديدًا.
جلس حسّون بصمت.
لم يقل صباح الخير.
ولم يبتسم.
أدرك كمال فورًا أنّ ثمّة أمرًا غير عاديّ.
قال بهدوء: «أهلًا حسّون… وجهك مو وجه يومٍ عادي.» لم يردّ حسّون.
مدّ يده داخل الكيس الورقي، وأخرج الرواية ووضعها أمام كمال مثل ورقةِ اتّهام.
رفع كمال حاجبيه قليلًا… لم يتظاهر بالدهشة، ولم يُسقط نظره أرضًا.
بل دوّن في عينيه شيئًا يشبه الاستسلام.
قال حسّون بنبرةٍ بطيئة: «قرأتُها يا كمال.»
سكت قليلًا، ثم أضاف كمن يخرج اعترافًا من صدره:
«صفحة صفحة… كلمة كلمة… لحدّ ما وصلتُ إليّ. إليّ أنا.»
ابتلع كمال ريقه، وحرّك كوب الشاي كي لا يضطرّ للردّ بسرعة.
هنا قال حسّون بصوتٍ أكثر حِدّة: "ليش ما كلّمتني؟
ليش ما قلت لي إنك تكتب رواية عني؟ أو على الأقل… عن واحد يشبهني لهاي الدرجة؟"
تنفّس كمال بعمق، ثم قال: "لأنّي كنت أخاف."
رفع حسّون رأسه مستغربًا: "تخاف؟ من شنو؟"
ابتسم كمال ابتسامة صغيرة حزينة: "أخاف إنك تمنعني…
أخاف إنك تمنعني من الكتابة عن شخصٍ كان جزءًا من حياتي الأدبية.
أخاف إنك تشوفها استغلالًا… أو تعدّيًا على خصوصيتك.
فقلت: أخليها مفاجأة. يمكن تفرح… يمكن تزعل… ما كنت أعرف."
توقّف لحظة ثم تابع: "أخفيتُ المشروع لأني أعرفك يا حسّون… تعرف نفسك أكثر من اللازم، وتتواضع أكثر من اللازم.
لو قلت لك أريد أكتب عنك، كنت راح تقول: (لا، يا كمال… الناس أهم مني).
ومشروع الرواية كان يحتاجك… يحتاج صورتك…
يحتاج تجربتك… يحتاج الرجل اللي عرفته على الرصيف ثلاثين سنة."
هنا سكت كمال قليلًا، ثم نظر في عينيه مباشرةً: "وبصراحة؟
كنت أريد أُثبت لك… إن كل هالمعرفة اللي عندك ما راحت هدرًا.
إنك أثّرت في ناس، ومنهم أنا." ظلّ حسّون صامتًا.
جاءت كلمات كمال مثل رياح باردة على قلبٍ كان يغلي. كان يريد أن يغضب…
لكن كيف يغضب من رجلٍ يقول له: "أردتُ أن أكرّمك"؟ وكان يريد أن يلومه…
لكن اللوم بدا ضعيفًا أمام صداقة تمتدّ لسنوات، مثل جسر من الورق والصدق.
قال حسّون بصوت منخفض: "كنت أريد أعرف… لو قلت لي كنت راح أساعدك.
كنت راح أحكيلك قصصًا أكثر… مواقف، ناس، أيام."
ضحك كمال بخجل: "تعرف شنو؟
أنا كنت أجمع هالقصص منك… بدون ما تحسّ.
كل مرة كنت تحكي بيها شي عن الأدباء أو القرّاء، كنت أكتب. كنت أشوفك أنت الكتاب… لا البائع." همس حسّون: "ولهذا كتبتني…؟"
أجاب كمال: "كتبتك لأنك ما كنت تدري إنك بطل. ولازم واحد يعرّفك." طال الصمت بينهما.
شعرت الطاولة بثقله. وشعر الشاي بأنه يبرد أسرع من المعتاد.
ثم مدّ حسّون يده إلى الرواية، فتحها عند الصفحة التي وصف فيها كمال قلبه، وقال مبتسمًا بخجلٍ خفيف: "هاي الجملة… كسرتني. هي اللي خلتني أفهم نيتك."
أجاب كمال بهدوء: "والنية كانت أن أكتب أجمل ما أعرفه… والأجمل كان أنت."
ضحك حسّون؛ ضحكته الأولى منذ جلس، ضحكة مليئة بالارتباك وبالرضا في الوقت نفسه.
ثم قال: "بس بشرط… إذا كتبت جزءًا ثانيًا، تجي تخبرني."
ضحك كمال بصوت عالٍ هذه المرّة: "وإذا كتبت جزءًا ثالثًا، أخليك تراجع المسوّدة قبل الطبع!"
هنا رفع حسّون كوب الشاي، ونظر إلى دجلة، وقال: "ها… هسه فهمت.
أنت ما أخفيتها حتى تخدعني… أخفيتها حتى تكتبني كما تشوفني، مو كما أشوف نفسي." هزّ كمال رأسه موافقًا: "بالضبط." غادرا المقهى سويًا.
ولأول مرة يسير حسّون بجوار كمال، لا بصفة صديق فقط، بل بصفة شخصية مكتوبة، شخصية لها صوتٌ آخر يسكن داخل رواية.
وفي الطريق، قال حسّون مبتسمًا: "كمال… ماكو أجمل من أن الواحد يلقى نفسه مكتوبة بقلم صديق."
ردّ كمال: "ولا أجمل من صديق يصير بطل رواية."
انطلق يومٌ جديد. .
لم يكن صباحًا عاديًا.
كانت الشمس بطيئة، والهواء يدور كأنه يحمل خبرًا صغيرًا يفتّش عمّن يبلّغه.
جلس حسّون في مكانه المعتاد، لكن شيئًا في جلسته كان أبعد من العادة:
كان يشعر بخفّة غريبة، كأنه يمشي فوق صفحة مكتوبة، لا فوق الرصيف.
رتّب الكتب أمامه كما يفعل دائمًا، إلا أنه وضع الرواية — رواية كمال — في الواجهة، لكن من دون إعلان أو تعليق.
تركها هناك مثل سؤالٍ مفتوح. ولم تَمْضِ ساعة حتى حدث ما لم يتوقعه.
اقترب شابٌ نحيل يحمل حقيبة جامعية. كان يزور حسّون كل أسبوع ليأخذ كتابًا في الفلسفة.
وقف ينظر إلى الغلاف، ثم قال: "ها حسّون… هاي رواية جديدة؟ شكلها قوية ."
ردّ حسّون: "اقراها وشوف."
ابتسم الشاب وتصفّح بسرعة
— ثم تجمّد.
رفع رأسه نحو حسّون، ثم عاد إلى الصفحة، ثم رفع رأسه مرة أخرى:"عمّي… هذا… يشبهك."
ضحك حسّون ضحكة صغيرة: "يشبهني؟ مثل منو؟"
قال الشاب وكأنه كشف سرًّا خطيرًا: "لا… لا يشبهك… هو أنت! نفس التفاصيل… نفس الكلام… حتى كلمة (الورق ما يخذل) اللي دائمًا تكولها!"
كان صوته عاليًا بما يكفي ليجعل رجلين كانا يقلبان كتب التاريخ يلتفتان.
ثم خطوة بعد خطوة… بدأ الخبر ينتشر مثل دخانٍ صغير في السوق.
لم تَمْضِ دقائق حتى صار أمامه أربعة، ثم سبعة، ثم عشرة أشخاص.
بعضهم يعرفه منذ سنوات… وبعضهم مرّ عليه مرة واحدة… وبعضهم لم يره من قبل، لكن جاء على صوت الصدمة.
قال رجلٌ مسنّ كان يحمل كتابًا عن الشعر العباسي: "يا حسّون… هاي روايتك لو رواية عنك؟"
ابتسم حسّون وقال: "رواية كتبها صديق… بس هي تحكي عن رجال يشبهني هواية."
ردّت امرأةٌ خمسينية، قارئة وفية لروايات الحداثة: "لا تتواضع… هذا أنت بالحرف."
ضحك أحد الشباب ممن عرفوه طويلًا: "يا جماعة… إحنا نعرف حسّون قبل ما يصير بطل رواية."
وجاء صوت آخر من الخلف:"وليش لأ؟ هو يستاهل… هو أحسن من ألف شخصية ورقية!"
فجأة، مدّ أحد الطلاب الرواية إلى حسّون وقال: "عمّي حسّون… لو تكتبلي توقيعك هنا. أريد أحتفظ بيها أصلية." تجمّد حسّون للحظة.
لم يتوقع أن يطلب أحدٌ توقيعًا منه هو، هو الذي لطالما كان يطلب التوقيعات للآخرين في معارض الكتب.
تردّد… ثم أخذ القلم، وبخطّه الهادئ كتب: "إلى من يحبّ الكتاب… من بائعٍ ورث الحكمةَ من الورق."
– حسّون
ما إن أنهى الكتابة حتى دوّى تصفيقٌ صغير، تصفيقٌ خجول لكنه حقيقي… تصفيقٌ لم يتلقّه في حياته كلها.
