

أحمد زكي أبو شادي
أحمد زكي أبو شادي (1892 ـ 1955)هو شاعر وطبيب مصري ولد في القاهرة وأبوه كان محاميا ومن الوطنيين الذين وقفوا في وجه الاستعمار الانجليزي، وأمه كانت مهتمة بالأدب أنجبت ثلاثة أطفال ذكور منهم لم يعش بعدهم إلا شاعرنا أحمد،ومع مرور الوقت غادر أحمد إلى أنجلترا وتزوج من فتاة إنجليزية بادلته الحب بالحب.
وكان أبو شادي صحفيا له اهتمامات متعددة،فأصدر خمس مجلات في وقت واحد، كل مجلة تهتم بجانب من الجوانب ،وهذه المجلات هي:
مجلة: "أبولّو"وهي تهتم بالشعر.
مجلة: "مملكة النحل"وهي تهتم بالنحالة وما يدخل في بابها.
مجلة: "الدجاج"وهي تهتم بالدواجن وتربيتها واستجلابها.
مجلة: "الصناعات الزراعية"وهي خاصة بالتصنيع الزراعي.
مجلة: "الإمام" لدعم الزجل الشعبي ورفعه ،وهي مجلة كان من محرريها الزجل المعروف بيرم التونسي.
وعلى ذكر المجلات نذكر أن الشاعر الكبير أحمد شوقي حيى جمعية"أبولو" التي أنشأها أبو شادي وسمى مجلة باسمها بقوله:
أَبــولّو مَــرحَباً بِــكِ يا أَبولّو
فَــإِنَّكِ مِن عُكاظِ الشِعرِ ظِلُّ
عُــكاظُ وَأَنــتِ لِلبُلَغاءِ سوقٌ
عَــلى جَنَباتِها رَحَلوا وَحَلّوا
وَيَــنبوعٌ مِنَ الإِنشادِ صافِ
صَــدى الــمُتَأَدِّبينَ بِــهِ يُــقَلُّ
وَمِضمارٌ يَسوقُ إِلى القَوافي
سَــوابِقُها إِذا الــشُعَراءُ قَلّوا
وبعد هذه الأبيات مباشرة يقول:
يَــقولُ الشِعرَ قائِلُهُم رَصيناً
وَيُــحسِنُ حــينَ يُكثِرُ أَو يُقِلُّ
وَلَولا المُحسِنونَ بِكُلِّ أَرضِ
لَما سادَ الشُعوبُ وَلا اِستَقَلّوا
وقد لمعت في مدرسة أبولّو أسماء شعرية خالدة، ومن هذه الأسماء إبراهيم ناجي وأبو القاسم الشابي وعلي محمود طه والتيجاني يوسف بشير و م.ع.الهمشري.
كان شادي يقول الشعر ولا يقوله إلا عن إيمان وإحساس،فهو القائل:
وهل كــــان شعريَ غير إيمان مُهجتي
وعِــشقي وإحــساسي ولَحني المردَّدِ
ومن أجمل قصائده وه ما زال طالبا في الثانوية، رثاؤه للبطل الوطني مصطفى كامل يقول في مطلعها:
يا مصرُ حلَّق طير اليأس في أفقٍ
داجٍ بــأحزان شــعب كان ساليها
مــات الــرئيس فماتت بعده هممٌ
قــد كــان نبراس فكر منه يُجليها
وفي قصيدة له بعنوان:"المجاهد الجريح" يصف الحياة بأنها جد وكدح وبأن مجابهتها هو نوع من الكفاح،يقول:
شــهدتُ مــن الدنيا المعارك والمُنى
تشوق الفتى نحو المعارك والخَطبِ
فــصِــرتُ كــجنديٍّ جــريحٍ مــضمَّدٍ
يــئنُّ ولــكن كــم يــحنُّ إلى الحربِ
ويــهرب مــن حُكم الحِجا في وُثوبه
إلى ساحة الهيجاء والموقف الصعبِ
تــوالت جــراحاتي وأُوذِيــت دائــمًا
وهيهات أُلقِي من سلاحي ومن دأبي
ويرى شادي أنه من المواطنة السليمة أن يعترف المرء بأقدار الرجال وينزلهم المنازل السامية فبذلك تسمو البلاد وتنال العزة، يقول:
إذا عرفَ الرجال حقوق بعض
لــبعضٍ نُزِّهوا عن كلِّ ضعفِ
فــتنتظم البلاد بهم وتــسمو
ويــغدو الفرد مــعدودًا بألفِ
وبما أن شاعرنا كان مجددا وكان يسعى إلى تقديم الشعر العربي بوجه جديد فقد تحالف ضده المناصرون للقديم ووقفوا في وجهه إلى أن ضاق ذرعا بهم وهاجر إلى الولايات المتحدة.
لا بد من الإشارة إلى أن شعر أبي شادي يتميز بوحدة الموضوع والمزج بين التصوف والفلسفة والوجدان، هذا إضافة إلى جزالة الألفاظ وروعتها ودقة الأفكار ومتانة الأسلوب، وحتى نعطي القارئ نموذجا لهذا نسوق إليه إحدى قصادئه:
حــلــمت ولــم أعــلم أحــلمىَ يــقظةٌ
حــلــمت ولــم أعــلم أحــلمىَ يــقظةٌ
لــروحيَ أم مــالاح أضــغاثُ أحلامِ
ولــم أســتطع تــفسيره مــن تجاربي
ولا مــن مــناجاتي لــشهبٍ وأجرام
حــلمت كــأني فــي مــجاهل غــابة
مــخاطرها خــلفي وفــوقي وقدامى
وكـــل أمــانــي أن شــوكاً أدوســه
ولــيس بــصلٍ أو مــخالبَ ضرغام
ولــيس حــيالي غــير نــبت مُــمرد
يــردّد صــيحات الوحوش لأوهامي
وغــيــر خــيــالاتٍ وأشــبــاح جــنَّهِ
مــوســوسةٍ حــتــى تَــعَّثر إقــدامي
وقـــد أطــبــقَ الــجو الــثقيل كــأنه
يــحــاول خــنقي فــي تــقننّ اجــرام
يطل دمى الشوك العضوض مخاتلا
ويــمسكه خــوفي ويأسي وإحجامي
وهــذي جــموع لــلقرود صــراخها
يــنافس صــرخات الــرياح لإيلامي
وفــي وحــشتي فوجئت غير مؤمَّلٍ
بــمسحة نــور بــدّدت كــل إِظلامي
لــعــل ولـــىّ الله شــربــل قــائــدي
يــطيب مــا حولى وجسمي والهامي
تــخــيلته يــمــضى أمــامي مــباركا
فــتنتفضُ الآيــاتُ مــن بــرهِ الهامي
فــألفيت دُنــيا غــير غــابٍ خــشيته
مُــرنــقَّةً بــالنور وِالــعطر لــلظامي
تُــغــرد فــيــها الــراقصات مــلائكٌ
وفــي كــل ركــن مُــوحيات لأفــهام
وأســرارهــا شــتى ولــكن تــشرّبت
خــوالــجها أنـــداءُ عُــشــبٍ وآكــامِ
تَضاحَك فيها الحسنُ وانجابَ شاعراً
خــطيباً وكــان الــنبعِ ســمفوُن أنغام
وصــار حــنانُ الجو ينعش مهجتي
ويــرعــى تــعــلاتي رعــاية أيــتام
فــقــلت ولــى الله سُّــركض مُــنقذي
فــشــكراً ولـــىَّ الله تــعــداد أيــامي
وهــل لــك أن تُــسدى لأمتى الهدى
وتــنقذها مــن بؤسها الغامر الطامي
لأوثـــر هـــذا عــن بــقائَي ســالما
وأهــلي وأوطــاني بــضيمٍ وإعــدام
فــقــال حـــرام أنَّ مــثــلك كــادحا
يُــضام ويُــجزَى الــتيه ما بين ألغام
وأمـــا بـــلاد تــعبدُ الــعجل فــاسقاً
فــيــركلها ركـــلاً مــرارا بــإحكام
وتــنــعم بــالــتضليلِ حــتــى كــأنما
هَـــو أنٌ لــها أن لا تــعيش كــأنعام
فــما طــاقتي أو عدل ربى وإن سما
لِــيرَقىُ بها يوماً إلى عرشه السامي
رحم الله أحمد زكي أبو شادي، فقد اجتمع عليه المرض والمنفى إلى أن مات بعيدا عن وطنه مصر في أمريكا.
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين،وكن لنا وليا ونصيرا.