الأربعاء ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

إيليا أبو ماضي وقيثارة الفن

الشاعر إيليا أبو ماضي من الشعراء الذين تركوا بصمات في مسيرة الشعر العربي وهو من مواليد 3 مارس عام 1891 م في قرية المحيدثية بالمتن الشمالي اللبناني وله خمسة أخوة هم مراد ومتري وطانيوس وإبراهيم وأوجني وكان والده ريفي يمارس تربية دود القز والعناية بأشجار التوت إيليا أبو ماضي ترك التعليم لفقر عائلته وهو في سن الحادية عشر وهاجر إلى الإسكندرية وعمل مع عمه الذي كان تاجرًا وفي الليل كان إيليا أبو ماضي يطالع الكتب ويتعلم النحو والإعراب .

تزوج من دوروتي دياب ابنة نجيب دياب صاحب مجلة مرآة الغرب في الولايات المتحدة وأنجب ثلاثة أولاد هم ريتشارد وإدوارد وروبرت.

بدأت إيليا أبو ماضي مسيرته الشعرية بمجموعةٍ من القصائد المتفرقة أصدر ديوانه الأول بعنوان تذكار الماضي في الإسكندرية في عام 1911 وقد اعتاد نشر قصائده في بعض المجلات اللبنانية التي تصدر في مصر والتقى أنطون الجميل الذي كان قد أنشأ برفقة أمين تقي الدين مجلة الزهور فأعجبا به وقررا دعمه ونشر بعض قصائده في المجلة ونتيجة لكتاباته السياسية اضطر إلى الهجرة إلى أمريكا بعد ملاحقته من قبل السلطات التي لم تكن راضيةً عن كتاباته في تلك الفترة فهاجر برفقة مجموعة من الأدباء الآخرين من أبناء جيله إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتمت تسميتهم بأدباء المهجر.

كان أسلوب الشاعر إيليا أبو ماضي في بداياته يعتمد على القصيدة العمودية والموضوعات التي شملتها أغلب قصائد سابقيه إلّا أنه غير من نمطه بشكلٍ كبير بعد هجرته إلى الولايات المتحدة وقد مكث في الولايات المتحدة مع شقيقه الأكبر مراد ومارس معه التجارة لأربع سنوات وانتقل إلى نيويورك في عام 1916 ورأس تحرير المجلة العربية ثم تركها ليسهم في تحرير مجلة الفتاة التي كان يصدرها شكري البخاش ومنذ 1918 تحول بعد ذلك ليعمل في تحرير مجلة مرآه الغرب حتى 1928

شارك عام 1920 في تأسيس الرابطة القلمية وهى عبارة عن جمعية أدبية قام مجموعة من الأدباء أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة وإيليا أبو ماضي بإنشائها وضمت مجموعة أخرى من ادباء المهجر اللبنانيين والسوريين وفي أبريل 1929 أسس مجلة السمير النصف شهرية وحولها إلى يومية ظل يصدرها حتى وفاته وقد ساهمت هذه المجلة إسهاماً كبيراً في حياته الفكرية وفي نيويورك أصدر دواوينه الشعرية الثلاثة الجداول والخمائل وديوان إيليا أبو ماضي وقد قام أعضاء الرابطة بإصدار مجموعةٍ من المجلات وهى مجلة الفنون لنسيب عريضة ومجلة السائح لعبد المسيح حداد بالإضافة إلى مجلة السمير في بروكلين التي تولاها إيليا أبو ماضي والتي بدأت كمجلةٍ أسبوعية لتطرح بعدها بشكلٍ يومي وبوفاة جبران خليل جبران عام 1932 تم تفكيك الرابطة القلمية حيث كان جبران يشغل منصب عميد الرابطة وفي عام 1948 زار إيليا أبو ماضي لبنان بعد انقطاع طويل بدعوة من الحكومة اللبنانية لحضور مهرجان الأونسكو ليمثل مع الصحفي حبيب مسعود صاحب مجلة العصبة في البرازيل صحافة المهجر وكان موضع تكريم وحفاوة وسارع اللبنانيون للاحتفاء به ومنحته الحكومة اللبنانية وسامي الأرز ووسام الاستحقاق وأقيمت له في دمشق حفلات تكريم ومنحه هاشم الأتاسي رئيس الجمهورية السورية وسام الاستحقاق الممتاز في 1949

تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة وتميز شعره بطبعة التفاؤل فكان يسمو بكل شيء نحو الجمال واشتهرت من دواوينه الخمائل وتبر وتراب والجداول بالإضافة إلى ديوان إيليا أبو ماضي.

كتب عن إيليا أبو ماضي العديد من الشعراء والنقاد والكتاب منهم عيسى الناعوري والحاوي ومحمود سلطان وعبد اللطيف شرارة وعز الدين اسماعيل وعبد المجيد الحر وسالم المعوش وعبد المجيد عابدين وهاني الخير وبعض القصائد الشعرية للشاعر إيليا أبو ماضي تم تدريسها لطلاب العلم ويوم 23 نوفمبر عام 1957 توفى الشاعر إيليا أبو ماضي وأطلق اسمه على شارع في مدينة القاهرة الجديدة وفي عمان بالأردن.

تغنت بعض الأصوات الغنائية الأصلية بأشعار الشاعر إيليا أبو ماضي فالفنانة اللبنانية فيروز غنت قصيدته وطن النجوم بعد أن لحنها خالد أبو النصر وتقول كلماتها :

وطن النجوم أنا هناحدِّقْ، أتذكر من أنا؟
أنا ذلك الولد الذيدُنياهُ كانت ها هُنا
أنا من مِياهك قطرةٌفاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرّةٌماجت مَواكِبَ من منى
أنا من طيورك بلبلٌغنّى بمجدك فاغتنى
حمل الطلاقة والبشاشة من رُبوعك للدُّنَى
كم عانقَتْ روحي رُباك وصفّقت في المنحنى
للأرز يهزأ بالرياح وبالدهور وبالفَنا
للبحر ينثُرُه بَنوكِ حضارةً وتمدُّنا
لليل فيكِ مُصلٍّباللصبح فيكِ مُؤذِّنا
عاش الجمال مشرّداًفي الأرض يَنْشُدُ مسكنا
حتى انكشفتَ له فألقى رَحْلَهُ وتَوَطَّنا
وطن النجوم أنا هنا

أيضا الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب أختار من أشعار الشاعر إيليا أبو ماضي قصيدة لست أدري ولحنها ووزعها الموسيقار علي إسماعيل وغناها الفنان عبد الحليم حافظ في فيلم الخطايا وهذا الفيلم تأليف محمد عثمان وشارك في السيناريو وكان الحوار والسيناريو لمحمد مصطفى سامي وبطولة عبد الحليم حافظ ونادية لطفي وعماد حمدي وحسن يوسف ومديحة يسري وفاخر فاخر وزين العشماوي وعبد الغني النجدي وجلال عيسى وإخراج حسن الإمام وتم عرضه عام 1962 م.

هذه القصيدة فلسفية تتحدث عن ماهية الحياة ومدى حيرة الإنسان مع قلة علمه وقد اعترف محمد عبد الوهاب في حديث مسجل بتغييره تعبير (أبصرت قدّامي طريقا) إلى (أبصرت أمامي طريقا) رغم كسر الوزن وبرر التغيير باعتبار كلمة (قدّامي) لفظا دارجا لم يرق له وأنه فضل كسر الوزن الشعري على استخدام لفظ دارج في قصيدة بالفصحى والحقيقة أن كلمة قدام فصيحة أيضا لكنه رأى أن شيوع استعمالها في اللهجات الدارجة قد يجعل القصيدة أقرب إلى العامية كما اقر بأنه قد عرف القصيدة قبل تقديمها في السينما وأنه هو الذي قرر إدخالها في سياق الفيلم وتقول كلمات القصيدة :

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت أمامي طريقا فمشيت
وسأبقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري؟
أنا لا أذكر شيئا من حياتي الماضية
أنا لا أعلم شيئا عن حياتي الآتية
لي ذات غير أني لست أدري ماهيه
فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي لست أدري؟
أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير ؟
أين جهلي ومراحي وأنا غض غرير؟
أين أحلامي وكانت كيفما سرت تسير؟
كلها ضاعت ولكن كيف ضاعت لست أدري

أيضا الفنانة التونسية لطيفة اختارت من قصيدة فلسفة الحياة بعض الأبيات وغنتها بعنوان كن جميلا وضمها البومها الغنائي الصادر عام 2020 بعنوان أقوى واحدة وكان اللحن والتوزيع لإسلام صبري ومن يستمع لهذه الأغنية أو يطالعها يجد الشاعر إيليا أبو ماضي يدعو الناس إلى أنْ يستمتعوا بجمال الطبيعة ولن يستطيع أنْ يُدرك هذا الجمال إلا مَنْ كانتْ نفسه جميلة تتذوق الجمال وتستشعره غير أن بعض الناس يرون الحياة من خلال منظار أسود يشكون دائماً والشاعر إيليا أبو ماضي يدعوهم لنبذ التشاؤم ليتمتعوا بمظاهر الجمال في الحياة.

الأبيات التي غنتها الفنانة لطيفة هى:

أيها الشاكي وما بك داء
كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شر الجناة في الأرض نفس
تتوقى قبل الرحيل الرحيلا
وترى الشوك في الورود وتعمى
أن ترى فوقها الندى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل
من يظن الحياة عبء ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الوجود شيئا جميلا
أحكم الناس في الحياة أناس
عللوها فأحسنوا التعليلا
كن جميلا ترى الوجود جميلا

أيضا المنشد الأماراتي أحمد بو خاطر أختار من أشعار الشاعر إيليا أبو ماضي قصيدة كم تشتكي وأنشدها بصوت جميل وضمها ألبومه الأول الصادر عام 1999 بعنوان إنتصاف الليل ونذكر أن أحمد بو خاطر بدأ الإنشاد عام 1989 وقدم العديد من الألبومات بلغات مختلفة وهو أيضا يكتب الرواية وفاز بالعديد من الجوائز وأطلق عليه سفير الإنشاد الإماراتي

تقول كلمات القصيدة:

كَمْ تَشْتَكِي وَتَقُولُ إِنَّكَ مُعْدِمُ
وَالْأَرْضُ مِلْكُكَ وَالسَّمَا وَالْأَنْجُمُ؟
وَلَكَ الْحُقُولُ وَزَهْرُهَا وَأَرِيجُهَا
وَنَسِيمُهَا وَالْبُلْبُلُ الْمُتَرَنِّمُ
وَالْمَاءُ حَوْلَكَ فِضَّةٌ رَقْرَاقَةٌ
وَالشَّمْسُ فَوْقَكَ عَسْجَدٌ يَتَضَرَّمُ
وَالنُّورُ يَبْنِي فِي السُّفُوحِ وَفِي الذُّرَى
دُورًا مُزَخْرَفَةً وَحِينًا يَهْدِمُ
فَكَأَنَّهُ الْفَنَّانُ يَعْرِضُ عَابِثًا
آيَاتِهِ قُدَّامَ مَنْ يَتَعَلَّمُ
وَكَأَنَّهُ لِصَفَائِهِ وَسَنَائِهِ
بَحْرٌ تَعُومُ بِهِ الطُّيُورُ الْحُوَّمُ
هَشَّتْ لَكَ الدُّنْيَا فَمَا لَكَ وَاجِمًا
وَتَبَسَّمَتْ فَعَلَامَ لَا تَتَبَسَّمُ
إِنْ كُنْتَ مُكْتَئِبًا لِعِزٍّ قَدْ مَضَى
هَيْهَاتَ يُرْجِعُهُ إِلَيْكَ تَنَدُّمُ
أَوْ كُنْتَ تُشْفِقُ مِنْ حُلُولِ مُصِيبَةٍ
هَيْهَاتَ يَمْنَعُ أَنْ تَحِلَّ تَجَهُّمُ
أَوْ كُنْتَ جَاوَزْتَ الشَّبَابَ فَلَا تَقُلْ
شَاخَ الزَّمَانُ فَإِنَّهُ لَا يَهْرَمُ
انْظُرْ فَمَا زَالَتْ تُطِلُّ مِنَ الثَّرَى
صُوَرٌ تَكَادُ لِحُسْنِهَا تَتَكَلَّمُ
مَا بَيْنَ أَشْجَارٍ كَأَنَّ غُصُونَهَا
أَيْدٍ تُصَفِّقُ تَارَةً وَتُسَلِّمُ
وَعُيُونِ مَاءٍ دَافِقَاتٍ فِي الثَّرَى
تَشْفِي السَّقِيمَ كَأَنَّمَا هِيَ زَمْزَمُ
وَمَسَارِحٍ فَتَنَ النَّسِيمَ جَمَالُهَا
فَسَرَى يُدَنْدِنُ تَارَةً وَيُهَمْهِمُ
فَكَأَنَّهُ صَبٌّ بِبَابِ حَبِيبَةٍ
مُتَوَسِّلٌ مُسْتَعْطِفٌ مُسْتَرْحِمُ
وَالْجَدْوَلُ الْجَذْلَانُ يَضْحَكُ لَاهِيًا
وَالنَّرْجِسُ الْوَلْهَانُ مُغْفٍ يَحْلُمُ
وَعَلَى الصَّعِيدِ مُلَاءَةٌ مِنْ سُنْدُسٍ
وَعَلَى الْهِضَابِ لِكُلِّ حُسْنٍ مِيسَمُ
فَهُنَا مَكَانٌ بِالْأَرِيجِ مُعَطَّرٌ
وَهُنَاكَ طَوْدٌ بِالشُّعَاعِ مُعَمَّمُ
صُوَرٌ وَآيَاتٌ تَفِيضُ بَشَاشَةً
حَتَّى كَأَنَّ اللهَ فِيهَا يَبْسِمُ
فَامْشِ بِعَقْلِكَ فَوْقَهَا مُتَفَهِّمًا
إِنَّ الْمَلَاحَةَ مِلْكُ مَنْ يَتَفَهَّمُ
أَتَزُورُ رُوحُكَ جَنَّةً فَتَفُوتُهَا
كَيْمَا تَزُورَكَ بِالظُّنُونِ جَهَنَّمُ؟
وَتَرَى الْحَقِيقَةَ هَيْكَلًا مُتَجَسِّدًا
فَتَعَافُهَا لِوَسَاوِسٍ تُتَوَهَّمُ
يَا مَنْ يَحِنُّ إِلَى غَدٍ فِي يَوْمِهِ
قَدْ بِعْتَ مَا تَدْرِي بِمَا لَا تَعْلَمُ
قُمْ بَادِرِ اللَّذَّاتِ قَبْلَ فَوَاتِهَا
مَا كُلُّ يَوْمٍ مِثْلُ هَذَا مَوْسِمُ
وَاشْرَبْ بِسِرٍّ حِصْنَ سِرِّ شَبَابِهِ
وَارْوِ أَحَادِيثَ الْمُرُوءَةِ عَنْهُمُ
الْمُعْرِضِينَ عَنِ الْخَنَا فَإِذَا عَلَا
صَوْتٌ يَقُولُ : «إِلَى الْمَكَارِمِ» أَقْدَمُوا
الْفَاعِلِينَ الْخَيْرَ لَا لِطَمَاعَةٍ
فِي مَغْنَمٍ إِنَّ الْجَمِيلَ الْمَغْنَمُ
أَنْتَ الْغَنِيُّ إِذَا ظَفِرْتَ بِصَاحِبٍ
مِنْهُمْ وَعِنْدَكَ لِلْعَوَاطِفِ مَنْجَمُ
رَفَعُوا لِدِينِهِمُ لِوَاءً عَالِيًا
وَلَهُمْ لِوَاءٌ فِي الْعُرُوبَةِ مَعْلَمُ
إِنْ حَازَ بَعْضُ النَّاسِ سَهْمًا فِي الْعُلَا
فَلَهُمْ ضُرُوبٌ لَا تُعَدُّ وَأَسْهُمُ
لَا فَضْلَ لِي إِنْ رُحْتُ أُعْلِنُ فَضْلَهُمْ
بِقَصَائِدِي إِنَّ الضُّحَى لَا يُكْتَمُ
لَكِنَّنِي أَخْشَى مَقَالَةَ قَائِلٍ
هَذَا الَّذِي يُثْنِي عَلَيْهِمْ مِنْهُمُ
أَحْبَابَنَا مَا أَجْمَلَ الدُّنْيَا بِكُمْ
لَا تَقْبُحُ الدُّنْيَا وَفِيهَا أَنْتُمُ

أيضا المغني والمنتج اليمني عبد المجيد عامر أختار من أشعار الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي قصيدة الفتى الأفضل وقدمها وتقول كلماتها:

مضى زمن كان فيه الفتى
يباهي بما قومه أثّلوا
ويرفعه في عيون الأنام
ويخفض من قدره المنزل
فلا تقعدن عن طلاب العلى
وتعذل بلادك إذ تعذل
فإنّ الخلائق حتى عداك
متى ما سبقتهم هلّلوا
فثابر بجدّ على نيلها
فليس يخيب الذي يعمل
وكن رجلا ناهضا ينتمي
إلى نفسه عندما يسأل
فلست الثياب التي ترتدي
ولست الأسامي التي تحمل
ولست البلاد التي أنبتتك
ولكنّما أنت ما تفعل
إذا كنت من وطن خامل
وفزت فأنت الفتى الأفضل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى