الخميس ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠٢٥
بقلم عبدالله علي محمد علي مقبل

خُذني إلى السِّربِ

لِعَيْنِ زَيتُونةٍ تَهْمِي -هُنَاكَ- دَمَا
أَسْرَجْتُ غَيْمَةَ حُزْنِيْ، وَانْتَبَذْتُ فَمَا

زَيْتُونَة -لبُرُوقِ الحُلْمِ- شَاخِصَة
إِيْمَاضُ سُمْعَتِهَا كَمْ أَرْعَبَ الظُّلَمَا

ظَمْآنة، وَجِرارُ الغَيْمِ مُتْخَمَةٌ
فَهَلْ تُبِيْحُ لَهَا الأَنْوَاءُ شَرْبَةَ مَا...

ظِلَالُها تَحْرُسُ التَّارِيْخَ.. تَكْبُرُهُ
بِدَهْشَتَيْنِ.. تَدَلَّتْ رُوحُهَا كَرَمَا

مِنْ كُلِّ غُصْنٍ وَليدٍ يسْتَفِيْقُ عَلَى
طينٍ عَتِيقٍ، وَمَا لِلطَّارِئِيْنَ حِمَى

يَأْسَى عَلَى حَالِنَا، لَمْ يُحْنِ جَبْهَتَهُ
لِلْغَاصِبِينَ.. إذَا مَا كَسَّرُوهُ نَمَا

يُشِيْحُ عَنْ طَعْنَةِ الْقُرْبَى بِأَضْلُعِهِ
يَسْمُو وَإنْ بعضُهمْ -أفْرَاحَهُ- صَرَمَا

تَشِعُّ مِنْ عَتْمَةِ الأيامِ قُدْرَتُهُ
صَهِيْلُهُ شَيَّءَ اللَّاشِيْءَ حِيْنَ هَمَى

يَا رَبَّ غَزَّةَ.. عِجْلُ السَّامِرِيِّ غَدَا
طيّارةً، نفَثتْ أَطماعَها حُمَمَا

خُذْنِيْ لِغَزَّةَ حَيْثُ الْمَوْتُ أَلْسِنَةٌ
غَرْثَى، وَحَيْثُ طَرِيْقُ الْعِزَّةِ ابْتَسَمَا

خُذنِي للُبْنان حيثُ الأرض مُترعةُ
بالنارِ.. يحتلُّها الشَّرُّ الذي اقتَحَما

خُذْنِي إلَى حَيْثُ أَرْخَى الْمَجْدُ صهْوَتَهُ
وَحَيْثُ أسْفَرَ وَجْهٌ بِالسَّنَا الْتَثَمَا

خُذْنِيْ فقلبيَ خَلْفَ الصَّدْرِ قُبّرَةٌ
مفجوعةٌ.. كيفَ أمسى عشُّها عَدَما

خذني إلى السِّربِ.. هذا الريشُ أثقلَني
فما هو الصّقرُ إن لم يَصْتَدِ الرَّخَمَا

إلى التِي أَلْجَمَ الْكُونِيلَ مَنْطِقُهَا
وَجَاءَ مِنْ رَحْمِهَا الطُّوفَانُ مُحْتَدِمَا

لَهْفِي عَلَى الأنْجُمِ الثَّكْلَى تُضِيْءُ لَنَا..
بالرّغْمِ من سطوةِ الليلِ الذي جَثَمَا

فَمُذْ تَجَرَّحَ فيها الصَّمْتُ ما صَمَتَتْ
وَلا تَشَافى لَهَا قلبٌ ولا التَأَمَا

فكلّما ذَبَحَ اللُّوْبِيُّ بَسْمَتَهَا
عادَتْ تَظَاهُرَةً، لا تَعْرِفُ السَّأَمَا

عادتْ تُقاومُ أرتالَ الدَّجَى وَهَجًا
وليسَ في يدِها إلّا الذي عُلِما

تكبيرُها: أيقظَ الأسوارَ حينَ غَفَتْ
على البيوتِ وكانتْ -قبلُ- رَهْنَ عَمَى

يَرْتجُّ -إن جَلْجَلَتْ عَرْشُ- الخَنَا وَجِلًا
(وَمَا رَمَتْ إِذْ رَمَتْ.. ذاكَ اليقينُ رَمَى)

هي الجِبالُ وإنْ دُكَّتْ معالِمُها
ما هَزَّها أيُّ جيشٍ للرّياحِ كَمَا

عَنْ عِرْضِها انتصَبتْ جُرحًا ينِزُّ أسَىً
وَلَمْ يَزَلْ دَمُهَا الْمَسْفُوكُ مُتَّهَمَا

عَنْقَاءُ تَنْفُضُ مِنْ تَحْتِ الرَّمَادِ جَنَاحَ
الْكِبْرِيَاء، لَهَا صَارَ الجِهَادُ سَمَا...

ماذا تقُولُ لِرَبِّي حِيْنَ يَسْألُهَا
عَنْ حَبْلِنا: كيف عنها انحلّ وانْصَرَمَا؟

يُشْجِي المَشَافِي -كَثِيرًا- أَنْ يُدَيْرَ نَسِيْـمٌ
ظَهْرَهُ، مَا تَخَطَّى سُوْرَهُ الْهَرِمَا

يغْفُو، وَغَزَّةُ تحتَ الْقَصْفِ مَا بَرِحَتْ
تَسُلُّ أجفانَها، مُذْ نَوْمُهَا انْهَدَمَا

الأبرياءُ -مصابيح الدُّجَى- انطفؤوا
فيها عِطاشًا، وقد كانُوا لنا دِيَما

والشاهقاتُ غَدَتْ ردْمًا لأسئلةٍ
حَيْرَى.. تَهَجَّا أسَاهَا القلبُ فاضْطَرَما

أَوَّاهُ مِنْ لَغَةِ الأنْقاضِ، تَجْلِدُنِي
بِصَمْتِها.. كَيْفَ تُخْفِي حُزْنَهَا العَرِمَا؟

خَبَا الزَّمَانُ، وَلَمْ تَخْبُ الجُرُوحُ... وَمَرَّ
الْمَوْتُ.. مَرَّ عَلَى الأَشْلاءِ مُنْهَزِمَا

مَرَّتْ مقاوَمَةٌ -كالعطرِ- فانْدَلَعَتْ
آثارُها بِدَمِيْ تَسْتَنْهضُ الأُمَمَا

مَرَّ الشَّهِيْدُ بياضًا في البياضِ، مُتَّسَعًا
في الضِّيقِ، مَرّ.. فَمَنْ بِالْمَوْكِبِ الْتَحَمَا؟

يُرْخِي صَدَاهُ عَلَى المَعْنَى الّذِيْ انْبَجَسَتْ
جِهَاتُهُ.. يقْدَحُ الْوجدانَ وَالهِمَمَا

لِأَنَّ مِنْ وَمْضِهِ أَحْلَامَنَا شُحِذَتْ
لَنْ يُطْفِئَ الْمَوْتُ فِيْنَا هَذِهِ الْشِّيَمَا

ولَنْ نُهاجرَ عنْ أمٍّ بنا امتزجَتْ
ولنْ نُبارحَها طِينًا ولا نَغَما


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى