الثلاثاء ٢٥ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم سليمان عبدالعظيم

سيناريو انهيار الأقصى

ماذا يفعل العرب لو انهار المسجد الأقصى؟ ماذا تفعل الأنظمة العربية تجاه هذا الحدث الجلل، إذا كان ثمة حدث جلل يمكن أن يهز أركان الركود الجاثم على صدر العرب، ويفك عقالهم وانقيادهم الأعمى للآخرين؟ هل تنطلق بوادر الحرب الشاملة في عالمنا العربي التي تطال الجميع ولا تبقي على معتدل أو متطرف أو متواطئ؟ هل سوف تقتحم الشعوب العربية أنظمتها المختلفة وتكشف مدى ضعفها واهترائها؟ هل يصبح انهيار الأقصى الحدث الجلل في التاريخ العربي المعاصر ليمثل بادرة جديدة للتصحيح والتغيير والانطلاق؟

أسئلة عديدة يثيرها الواقع المزري الذي يواجهه المسجد الأقصى الآن من عمليات تهويد وتغيير وحفائر ورغبة عنصرية إسرائيلية من أجل تغيير الواقع وفرض ادعاءات غير حقيقية على واقع المنطقة جغرافيا وتاريخيا وإنسانيا. وفي ضوء ما يواجهنا الآن علينا أن نتصور شكل وحجم ردة الفعل العربية على الرغم من أن العرب يقعون دائما خارج حدود التوقعات وخارج أطر السيناريوهات.

سوف يواجه العرب انهيار الأقصى بدهشة بالغة وكأنهم يواجهون كارثة طبيعية لم يتوقعونها. ويبدو أن البنية النفسية العربية المعاصرة تتعامل مع الأجواء المحيطة باستعباط تام ودفن للرؤوس في الرمال. فالاستعباط هو أحد الآليات الثابتة في الواقع العربي المعاصر، والآلية الأكثر استخداما في السياسات والمواجهات العربية المعاصرة. هكذا العرب منذ عقود طويلة يواجهون المفاجئات ويعايشونها ويدعون دائما أنهم لم يعلموا عنها شيئا. وأن ما يحاك ضدهم لم يكن ضمن حساباتهم، مع أن العدو واضح ومحدد وصريح، ولا يحتاج لكل هذا اللغط وتلك المهاترات.

سوف تنزل صاعقة انهيار الأقصى على رؤوسهم، وكأن ما قيل دائما عن قرب انهياره قد كتب بلغة لا يفهمونها. وستنزل صاعقة انهيار الأقصى على رؤوسهم وكأنهم لم يفهموا اليهود ولم يتعاملوا معهم طيلة عقود طويلة دفعوا من خلالها أثمانا باهظة من القتل والتشريد والتدمير عبر ذلك الصراع المفتوح مع الدولة العبرية. لكنها آلية الاستعباط التي تنقل العرب دوما من المواجهة إلى التخاذل، ومن المقاومة إلى التقاعس، ومن الصراع إلى حديث السلام المبتذل.

أغلب الظن أن المظاهرات الشعبية التلقائية سوف تندلع في كافة أنحاء العالم العربي والإسلامي بشكل كبير وضخم ومتصاعد، في المراكز والأطراف على السواء. ولن تستطيع الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية مواجهة تلك المظاهرات الهائلة ونتائجها المخيفة في بادئ الأمر. كما أنها لن تستطيع قمع هذه المظاهرات والانتفاضات الشعبية العفوية، ولن تجد مفرا سوى التعامل معها بهدوء وصبر وتسليم وخضوع. ولن تقتصر هذه المظاهرات على تيار بعينه، لكن بالطبع سوف يغلب عليها التيار الإسلامي.

وسوف تستفيد الجماعات والحركات الإسلامية من هذه المظاهرات بدرجة كبيرة تبرهن من خلالها على حالة الضعف العربي تجاه إسرائيل، ومدى الهوان الذي ظهرت أبرز تجلياته في انهيار الأقصى. ربما تستفيد هذه الجماعات من ذلك التدفق الجماهيري من أجل تصعيد الهبات الجماهيرية لتحقيق مكاسب سياسية تؤمن لها المزيد من مساحة السلطة الفعلية والإمساك بمقاليد الأمور. وهو الأمر الذي سوف يدفع الأنظمة العربية في مرحلة ما من هذه المظاهرات للمواجهات العنيفة مع الجماهير من أجل الاحتفاظ بهيمنتها السياسية. فالنظم العربية لا يهمها في النهاية سوى الهيمنة والتسلط. وهي وإن تجاوبت لفترة مع ثورة الجماهير العربية، فإنها لا تستطيع أن تسير لنهاية الشوط، كما لا تستطيع أن تتحمل نتائج هذه الهبات الجماهيرية التي قد تطيح بها.

سوف يكشف انهيار الأقصى عن طبيعة القوى السياسية القابضة على الحكم أو تلك الطامحة في الوصول إليه. كما سوف يكشف عن السمات والجوانب والتوجهات الأخلاقية المختلفة التي يتحلي بها كل فريق من الفرق المتصارعة. صحيح أن المرء يمكنه أن يحدد بشكل كبير من الدقة خصائص كل فريق، لكن حدث انهيار الأقصى سوف يكون فرصة تاريخية للكشف الحقيقي عن خصائص كل فريق في ضوء المواقف التي سوف يتخذها، وفي ضوء النوايا الحقيقية الكامنة وراء ما يعلنه.

فانهيار الأقصى سوف يستدعي الوضوح البالغ وصعوبة اللف والدوران والمواربة. كما أنها حالة تاريخية من أجل الفرز الحقيقي لطبيعة القوي السياسية في العالم العربي ومدى انتمائها لمشروعات وطموحات وتوقعات الجماهير الحقيقية. إنها حالة أقرب لمقولة السيد بوش "من ليس معنا فهو ضدنا"، " ومن لا يتخذ رد فعل حقيقي وملموس تجاه انهيار الأقصى فهو ضدنا". وهو الأمر الذي يمكن ترجمته في الكثير من الأقلام المتواطئة مع الغرب والتي لن تستحي من تبرئة إسرائيل والعمل على إيجاد التبريرات لما حدث. وربما تصل صفاقة هذه الأقلام بعدم أهمية انهيار الأقصى وعدم تبرير انفلات العرب والمسلمين في تعبيرهم عن غضبهم. فهؤلاء لديهم القدرة البالغة على التماهي مع العدوان الإسرائيلي، وتبني المقولات والطروحات الأمريكية للمنطقة.

لا نتوقع من الأنظمة العربية الكثير، فسوف يستمر تواصل مسلسل الشجب والإدانة لما حدث. ربما تقوم بعض الأنظمة التي تربطها علاقات بإسرائيل بطرد السفير الإسرائيلي، ومن غير المتوقع أن يصل الأمر لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية. إن الهدف النهائي لمعظم الأنظمة العربية يكمن في ممالئة الجماهير العربية المحتشدة في كل العواصم العربية من أجل امتصاص حماستهم وإضعاف فورة ثورتهم. وهى عملية تمارسها الأنظمة العربية بدرجة كبيرة من النجاح، خصوصا إذا ما استشعرت أنها يجب أن تركب الموجة نفسها التي أثارت الجماهير ودفعتهم إلى التظاهر والخروج إلى الشارع من أجل إعلان غضبهم وإبراز ثورتهم وعصيانهم.
سوف تدعو جامعة الدول العربية لانعقاد مؤتمر فوري وسريع، بالطبع لن يتخلف أي من القادة العرب، فالتخلف هنا لن يقبله الجماهير ولن تستسيغه مشاعرهم المنفلتة.

بالطبع سوف يتراشق القادة العرب وسوف يستعيدون خلافاتهم بدرجة أو بأخرى، لكن لن يكون أمامهم من سبيل سوى اتخاذ بعض الإجراءات التي تتناسب وحدث الانهيار. أعياني التفكير عما يمكن أن يتم اتخاذه في قمة الجامعة العربية المخصصة لمناقشة انهيار الأقصى، هل سوف تتناسب مع الحدث الجلل؟ أم سوف تقتصر على الشجب والإدانة؟ وهل سوف تشمل الإدانة إسرائيل أم أنها سوف تتعدي ذلك لتشمل أمريكا وبعض الدول الغربية الأخرى؟ أسئلة كثيرة لم استطع الإجابة عنها، وأتركها لفطنة القارئ!!

لن تقوم أمريكا بأية إدانة لما حدث لكنها بالطبع سوف تدعي فهم المشاعر العربية والإسلامية تجاه انهيار الأقصى، لكنها سوف تؤكد على ضرورة ضبط النفس والحوار بين كافة الأطراف المتنازعة مع ضرورة العمل على إيجاد حل شامل للصراع العربي الإسرائيلي. ربما تعرض أمريكا والاتحاد الأوروبي مشروعا يخفف من وطأة ما حدث يتمثل في بناء مجمع أديان جديد مكان المسجد القصي برعاية إسرائيلية وبإشراف دولي. وفي هذا السياق سوف تنبري العديد من الأقلام الغربية المغرضة من أجل العمل على تذكير العرب بما حدث في الحادي عشر من سبتمبر، والمقارنة بين برج التجارة العالمي والمسجد الأقصى.

مرت فترة ليس بالقصيرة على انهيار الأقصى، ومازالت المظاهرات تندلع في العديد من العواصم العربية والإسلامية، ومازالت الأنظمة العربية تتشاور وتتحاور، ومازالت الجماهير العربية تبحث عن رد فعل حقيقي ومؤثر وفاعل في كافة الشوارع العربية!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى