قراءة في قصيدة: «فقرة من خطاب البطل»
القصيدة:
هــذا الــفضاءُ الرحْبُ منْ
أتــراحِه أتْــرعْتُ كــأسي
أشــقَــى وأصْــمُدُ ،لا أُبــا
لــي إنْ أتى قدَري بنَحْسي
نــهْــجي طــويــلٌ مــرهِقٌ
لــكــنَّني وطَّــنْــتُ نــفسي
أمـــلُ الــوصول يــقودني
بــالعزْمِ قــدْ عمَّمْتُ رأسي
فــي مــوقد الأمــل الــكبي
ر ،مصمِّماً، أحرقْتُ يأسي
شــجــرُ الــظلام قــصدْتُه
ومعي الضحى بيديَّ فأسي
أبــنــي قــلاعَ الــمجدِ أصْ
نــعُ ثــورتي بدمِي وبأسي
لا بـــدَّ تــظْــهرُ نــجْــمتي
لا بــدَّ يُــثْمِرُُ حقْلُُ غرْسي/
القراءة:
بقلم:مأمون المغازي
ويبقى البطل، الحالة، التفرد، الرؤية العميقة على مستوى النفس والمستوى الكلي هو شاغلنا الشاغل الذي يحرك الهمة، ويزرع الجنة لمن آمنوا به وبكره، لأنه الذي نبت من الكل ليكون إمامًا بحق.
قرأت هذه المطرزة الراقية وفهمت أنها نقل حالة، وقد راق لي هذا التمثل الدقيق فحين أدرك الشاعر امتزاج الوجد بينه وبين الخطاب تمثل الروح ـ التي لا يمكن إلا أن تكون فيه ـ فلسنا أمام نظم وإنما أمام تجربة جاءت لغتها جزلة قوية رنينها بالغ كل نفس، وموسيقاها النحاسية تحمل ذاك البريق الخطابي الذي يحمل رسالة الثقة بما في العقل، والثقة فيمن يتلقون لأنهم المؤدي الحقيقي للمعاني المشتملة بالنص، فمن الواضح أن البطل يلقي خطابه الحماسي ومنه فقرة تؤكد صدق عزمه وإيمانه الذي ألهبته التجربة والمراس، وأنه من الشارع المعاني الكادح، وتجاربه كثيرة مريرة:
هذا الفضاءُ الرحْبُ منْأ
تراحِه أتْرعْتُ كأسـي
أشقَى وأصْمُـدُ،لا أُبـا
لي إنْ أتى قدَري بنَحْسي
والتجارب لا تنتهي والمنهج واضح لصاحبه الذي درب نفسه على ما سيلاقي فمن تعلم شرب السم لم يمت به، والطريق معروفة محددة، لأقف أمام صورة رائعة بكل معاني الروعة (بالعزم قد عممت رأسي) لنتصور كيف تحول العزم إلى عمامة للارتقاء أكثر بالصمود وصلابة الرأس بما تأكد يقينًا لا مراء فيه ، ليتبعها بما يقويها أكثر حيث انتزع اليأس محرقًا إياه في موقد أقوى من موقد المنع، إنه موقد الأمل:
نهْجـي طويـلٌ مـرهِـقٌ
لكنَّنـي وطَّنْـتُ نفـسـي
أمـلُ الوصـول يقودنـي
بالعزْمِ قدْ عمَّمْـتُ رأسـي
في موقـد الأمـل الكبـيــر،
مصمِّماً، أحرقْتُ يأسي
ربما يكون التعبير بـ (شجر الظلام ) تعبيرًا بسيطًا في ظاهره إلا أن بساطة الصورة من أن الضحى هو الفأس التي ستقطع ظلام الظلم، ليتحول الخطاب من الجماهيرية إلى تأكيد الذات الباحثة عن المجموع وهذا حق أي بطل يبذل كل ما لديه للمجموع. ترى أنمنعه من أن يزهو بنفسه؟!!!!!! بالتأكيد الكل يعمل كل في مجاله لتتحقق رؤى البطل لكنه هو نفسه الذي يوقد فيهم الحمية ويرسم الخطوط ومن حقه أن يباهي ولو بعد حين:
شجـرُ الظـلام قصدْتُـه
ومعي الضحى بيديَّ فأسي
أبني قـلاعَ المجـدِ أصْـنعُ
ثورتي بدمِي وبأسي
لا بـدَّ تظْهـرُ نجْمـتـي
لا بدَّ يُثْمِرُ حقْلُ غرْسـي
شاعرنا مصطفى معروفي،
أجدت تمثل التجربة وأتيتنا بأبيات تجعلنا نقول: ليتك أدركت فاتحة الخطاب وخاتمته لتطول الرحلة مع النغم الراقي واللفظ الجميل والصورة الصادقة أكثر.
الصديق مامون المغازي رحمه الله أديب وناقد مصري من أعماله:
ـ سيناجوج(رواية)
ـ هذيان كل يوم(مجموعة فصصية)
ـ رامي مراد(رواية للأطفال)
و لديه عدد كبير من القراءات النقدية و المقالات الادبية.