مهلاً.. لغتنا في خطر

بالإضافة لكونها وسيلة للتعبير الفكري عن مقاصدنا سواء كانت فردية أم جماعية، وأداة للتخاطب فيما بيننا، ووعاء "لأمة بلغت من الشغف بالعلم والظمأ لارتياد مناهله حداً يشعرك بعظمتها ورقيها" وهوية وجود.. تلم شمل ما بين المحيط والخليج، تنفرد لغتنا العربية بأنها إحدى أهم مقومات تضامننا العربي إلى جانب الدين والتاريخ والجغرافيا والتقاليد والعادات والآمال المشتركة، حيث "اللسان العربي شعار الإسلام وأهله"، فبدرجة قوة ومتانة هذه الأواصر والمقومات ومدى تمسكنا بها تتقوى مواجهتنا للتحديات الراهنة والقادمة.

لقد أثبتت علوم اللغويات أن العربية من أرقى اللغات كونها تتميز عن غيرها بعدة مزايا حفظت لها رونقها وشكلها من الانحطاط والتغيير، فلا ضير أن نقرأ نحن الجيل المعاصر معلقات عصر الجاهلية وأشعار القدامى، بينما يعجز عن هذا ناطقو اللغات الأخرى للاطلاع على ما خطه قدماؤهم.. فهناك كلمات ومصطلحات كثيرة، لا يجدونها في قواميسهم الحية، فلغاتهم كحالهم راحت تتطور وتتغير مع مر العصور.

إن اللغة العربية تمتاز عن غيرها بالوفاء بالمخارج الصوتية حيث تعتمد على تقسيم الحروف والكلمات على حسب موقعها من الكلام، ولعل علوم فهم المعنى ودقة الهيكل اللغوي في العربية مترابطة تكمل بعضها البعض.

وتمتاز أيضاً بأن كلمتها تحتفظ بدلالتها الشعرية المجازية والعلمية الواقعية بدون أي تغيير في هذا المعنى عن ذاك، كما أنها تنفرد عن غيرها بفنها العروضي الذي أدى إلى نشأة الشعر فناً كاملاً، حيث توفرت فيه شروط الوزن والقافية، وقد عمد كثير من شعراء اللغات الأخرى كالفرس مثلاً إلى اقتباس هذه المزية في نظم أشعارهم.

من هنا أؤكد على أهمية الحفاظ عليها وعلى إمكاناتها الخلاقة، ولست سوداوياً إن حاولت فتح ملفها من جديد، لأرفع مع الغيورين على مصيرها بطاقة حمراء بوجه من يريد تهميش دورها متهمين لغتنا بالإفلاس وعدم مواكبة العلوم والتكنولوجيا الحديثة، ناسين أو متناسين تاريخ حضارتنا الإسلامية حينما كانت تنشر علومها على أمم وشعوب شتى في أرجاء المعمورة غرباً وشرقاً من خلال العربية.

فحري بنا أن نقف بالمرصاد لأولئك الحاقدين المشككين، وتلك المظاهر المضادة التي راحت تمد براثنها نحو رمز فخرنا ووجودنا.

*من كتابي #عربيات