

الأمر يحتاج إلى نبي
صَمَتَ الأهل، وأدار الأقارب والجيران وجوههم عما يحدث في المدينة المجاورة لعواصمهم.
صمّوا آذانهم عن صراخ الثكالى، وغضّوا الطرف عن جراح الأطفال، كأن الدماء عورة يخشون النظر إليها.
لا زئير يُسمع، ولا حتى همهمة تُذكر أمام شلالات الدم المتدفقة في غزة المنكوبة.
صمتٌ مُذلٌّ يخيّم على أولئك الصناديد الذين طالما ادّعوا أنهم لا يخشون في الله لومة لائم.
حتى خُيّل إلينا أن التاريخ لم ينجب مثلهم.
شيوخ المنابر، فرسان الميكروفونات، أبواق الإعلام الوطني، كتّاب الرأي، نشطاء حقوق الإنسان، قادة الجيوش وزعماء الدول… تهاووا جميعًا كأصنام من طين جاف.
لا صوت، لا حركة، ولا خفقة ضمير تثبت أن فيهم شيئًا من الحياة.
من الذي أخرس كل هؤلاء؟
أهو صمت الجبان، أم نعي لموت أمة؟
هل يُعقل أن تُرتكب هذه الجرائم الوحشية بحق شعب عربي مسلم أعزل، دون أن يتحرك ساكن في جسد الأمة؟
أم أن الاعتراض على الإبادة الجماعية صار بحاجة إلى فتوى من فقهاء "الضرورات"، وإذن من مهندسي "السياسة الحكيمة" الذين يرون في الصمت حكمة، وفي الخنوع بصيرة، وفي الخيانة مصلحة عليا؟
غزة ليست مجرد مدينة تقاوم؛ إنها صورة مكثفة للصراع الأبدي بين فلسطين العربية والكيان الصهيوني.
إنها محاكاة لقصة يوسف عليه السلام حين أُلقي الطفل البريء في الجبّ، لا من أعدائه، بل من إخوته الأقربين.
في غزة، يتجسّد الظلم بأبشع صوره.
تتفاقم المآسي بلا هوادة كل يوم، والأبرياء هناك بين فكي كيان صهيوني مجرم، وحش بلا قلب، يمزق الأجساد، يدفن الطفولة تحت الركام، ويحول المدن إلى مقابر، تاركًا دماء الأبرياء شاهدةً على إجرامه البشع.
يستخدم كل وسائل القتل المحرمة دوليًا ليشبع تعطشه للدماء، ويمارس عدة أساليب بشعة للقتل، أحدها التجويع، ليحصد أكبر عدد ممكن من الأرواح.
أمام هول ما يحدث من إبادة جماعية، وفي ظل الصمت العربي والعالمي المخزي، تبدو غزة كأنها كوكب منفي خارج هذا العالم.
لا تطاله قوانين السماء التي حملها الأنبياء، ولا قوانين البشر التي يتغنى بها عالم يتشدق بالتحضر والعدل وحقوق الإنسان.
آلام الشعب الفلسطيني في غزة عرّت الأنظمة العربية، وسقط قناع العروبة تلقائيًا.
من الذي جرّد الأمة من نخوتها؟
من غضبها؟
من ضميرها؟
من شرفها؟
أهو الشيطان؟
أشهد أمام الله أن الشيطان بريء من هذا الذنب، كبراءة الذئب من دم يوسف.
لقد تنحّى وترك المهمة لمن باعوا دينهم للسلطان، ومجّدوا الذل في قصورهم.
سيسجل التاريخ: بينما كان الفلسطينيون يُذبحون على الهواء مباشرة، كان أئمة السلاطين يرفعون أيديهم بالدعاء لأولياء أمورهم، منشغلين بتبرير معاصيهم.
حين تصمت المآذن وتنام الجيوش… تبقى غزة وحدها تصرخ.
تبًّا للصامتين من العرب والمسلمين!
جعلتم أمة محمد ﷺ تبدو عاجزة، وجرّدتم دينكم من قدسيته حتى صار سلعة رخيصة.
أيها الأئمة الزائدون عن حاجة الأمة، بينما تعلنون النفير العام بالصمت، وتقاتلون بالصمت، وتنتصرون بالصمت… غزة تموت بصوت يزلزل العالم.
تبًّا لكم!
ملأتم الدنيا ضجيجًا بتفهات الأمور، وتصمتون كالأصنام أمام صرخات المظلومين.
تَبًّا لجيوش عربيَّة تركت شعبًا عربيًا فريسةً لمخالب الطغاة وأنياب الذميم!
بئس الوجوه التي طأطأت للذل، وأخزى الله هذا الكوكب الملوّث بالصهيونية.
الصمت على الإبادة وصمة عار تصرخ في وجوهكم، لكن لا ماء في الوجوه، ولا حياة في الضمائر.
ختاما: الأمر يحتاج إلى نبي
هذا الكوكب الملوث بالصهيونية بحاجة إلى نبي…
نبي يعيد للإنسان إنسانيته، ولا يساوم على الدم، ويحرر الأمة من أصنامها.
نبي يتلو آيات جديدة تحرم الذل والخضوع.
نعم…
الأمر يحتاج إلى نبي!