الثلاثاء ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

دمٌ بلون السماء

لم تكن السماء تعرف الحقد.

كانت فقط تفتح ذراعيها كل صباح، وترسل ضوءًا ناعمًا كأملٍ هشّ، لا يعلم أن تحته أرضًا تمتهن الغياب.

في الزقاق الضيق، حيث يُربّى الخوف كما يُربّى العشب في شقوق الجدران، جلس آدم، ابن السبع سنوات، على حجر مكسور كطفولته.

كان يلعب بطائرةٍ ورقية صنعها من كيس سكرٍ ممزق وخيط قديم.

رفعها نحو السماء وضحك…

وكأنّه كان يدرّب قلبه على الطيران.

قالت له أخته سارة، وهي تمسح التراب عن جديلتيها:

– تلك الطائرات التي تمرّ من فوقنا لا تحبّ الأطفال.

فأجابها:

– لكنّها تحلق عالياً، مثل أحلامي… هل الأحلام تقتل يا سارة؟

سكتت.

ففي هذه البلاد، الأسئلة البريئة هي الأخطر.

لا تُجاب، بل تُخنق.

في الليل، لم تكن هناك صافرة إنذار، ولا ظلال للصراخ.

الصاروخ نزل بهدوء يشبه الاعتذار.

كل شيء اهتزّ، حتى أسماء الشهداء الجدد.

لم يصرخ آدم.

فقط غادر.

حملوه في الصباح التالي ملفوفًا ببطانية خضراء، وعلى وجهه بقايا حلم لم يكتمل.

أمه لم تبكِ، بل همست:

– لقد عاد إلى السماء…

من حيث جاءت ضحكته الأولى.

سارة كتبت على الجدار المجاور للركام:

“آدم لم يمت، فقط تغيّر لونه، وصار دمًا بلون السماء.”

الناس قرأوا العبارة وبكوا،

ثم عادوا إلى ترتيب الوجع كما تُرتّب خزانة الثياب القديمة:

قميصٌ لطفلٍ رحل،

صورةٌ بها نصف ابتسامة،

وطنٌ مكتوبٌ عليه: “أرجوكم، لا تنسوني”.

السماء منذ ذلك اليوم لم تعد زرقاء تمامًا.

في طرفها شُرخة، وفي قلبها بقعة داكنة تشبه وجعًا لا يُغتفر.

فصار الغروب أقرب للدم،

وصارت الغيوم تهمس بما لا تقوله نشرات الأخبار.

في فلسطين، لا يموت الأطفال،

بل يتحولون إلى طيورٍ غير مرئية،

يرسمون في الأفق إشارات غامضة،

يركلون الغيم بأقدامهم الصغيرة،

ثم يعودون…

كل ليلة، في حلم أمٍّ لم تنم منذ عام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى