الأحد ٣١ آب (أغسطس) ٢٠٢٥
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

فلسطين

أكدت أحداث السابع من أكتوبر وحرب طوفان الأقصى مركزية فلسطين في الوجدان العربي والإسلامي. ورغم المحاولات المتكررة لتهميش القضية من خلال اتفاقيات التطبيع وتحول الأولويات الإقليمية، إلا أن استمرار المقاومة الفلسطينية تحت الحصار أثبت أن القضية لا تزال متجذرة بعمق في الهوية الجماعية للمنطقة. بالنسبة للعرب والمسلمين، يعني هذا أنه لا يمكن تحقيق استقرار دائم دون معالجة المظالم التاريخية المتمثلة في الاحتلال والتهجير وإنكار الحقوق الفلسطينية. فلا يمكن تجاوز الصراع أو تأجيله؛ فهو لا يزال يحدد المشهد الأخلاقي والسياسي للشرق الأوسط.

يكمن درس آخر في التناقض بين القوة والإرادة. فالآلة العسكرية الصهيونية النازية، بدعم من القوى الغربية المدعية، تقزم قدرات المقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، فإن صمود حماس وجماعات أخرى لما يقرب من عامين تحت الحصار يُبرز كيف يمكن للأيديولوجيا والإيمان والشعور بالعدالة أن يدعموا نضالات طويلة الأمد. هذا يؤكد أن حروب الاستنزاف لا تُحدد بالقوة النارية فحسب، بل بالتماسك الاجتماعي، والصمود، والإيمان بعدالة القضية. بالنسبة للعرب والمسلمين، يُذكرنا هذا بأن القوة لا تكمن في الجيوش فحسب، بل في قدرة المجتمعات على الصمود والثبات.

كما كشف الصراع عن حدود القوة الصهيونية. فقد تحطمت صورة إسرائيل التي لطالما رُسمت كقوة لا تُقهر وأمن مطلق في السابع من أكتوبر، عندما فشلت أنظمة المراقبة والردع المتقدمة لديها. ورغم نشرها قوة هائلة بعد ذلك، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق نصر حاسم على شعب محاصر. وهذا يكشف عن هشاشة الأمن المبني على الخوف والقمع، ويُظهر أن إسرائيل، رغم هيمنتها، لا تزال عُرضة للانقسامات والأزمات الداخلية عند مواجهة تحديات مستمرة. يجب على العرب والمسلمين أن يدركوا أن الصراع ليس أحادي الجانب؛ إذ يُمكن استغلال نقاط ضعف الخصم استراتيجيا.

وفي الوقت نفسه، كانت التكلفة البشرية للحرب هائلة. يسلط الدمار والخسائر في الأرواح في غزة الضوء على الثقل الأخلاقي لهذا النضال، مثيرة تساؤلات ملحة حول أن مسؤولية العرب والمسلمين تتجاوز الشعارات والخطابات. يتطلب التضامن تعبيرا عمليا من خلال المساعدات الإنسانية، وجهود إعادة الإعمار، والدعوة الإعلامية، وممارسة الضغط السياسي. والأهم من ذلك، الاستعداد لحروب طويلة ممتدة مع العدو الصهيوني وحلفائه، والتوقف عن أحاديث السلام المبتذلة. والدرس المستفاد هنا هو أن النضال الفلسطيني ليس جبهة عسكرية فحسب، بل هو أيضا قضية إنسانية وأخلاقية تتطلب دعما مستداما ومنظما.

لعل الدرس الداخلي الأكثر إلحاحا للعالم العربي والإسلامي هو خطر التشرذم. فالانقسام - سواء أكان سياسيا أم طائفيا أم أيديولوجيا - لطالما أضعف قدرة المنطقة على العمل الجماعي. في المقابل، أظهرت المقاومة كيف يُمكن لوحدة الهدف أن تُؤمّن الصمود حتى في ظل الحصار. بالنسبة للعرب والمسلمين، يعني هذا أن الاستراتيجيات المستقبلية يجب أن تتجاوز المصالح الوطنية الضيقة، وأن تستثمر بدلا من ذلك في أطر التعاون، سواء من خلال منصات سياسية مشتركة، أو تحالفات إقليمية، أو مبادرات ثقافية وتعليمية موحدة.

كما غيرت الحرب المشهد الجيوسياسي العالمي. فقد كشفت عن ازدواجية المعايير الغربية في الخطاب المتعلق بحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه، أنعشت حركات التضامن العالمية دعما لفلسطين. بالنسبة للعرب والمسلمين، تُعد هذه فرصة للاستثمار في الدبلوماسية العالمية والدعوة الشعبية، وصياغة السرديات وبناء تحالفات دولية تعلي الصوت الفلسطيني. إن ساحة معركة الأفكار والشرعية لا تقل أهمية عن ساحة معركة السلاح.

وأخيرا، تؤكد الأحداث حقيقة أن هذا صراع ممتد عبر الأجيال. الصراع ليس قريبا من الحل؛ إنه صراع هيكلي متجذر في التاريخ والهوية والأيديولوجيا. بالنسبة للعرب والمسلمين، يتطلب هذا إعدادا طويل الأمد - تربويا وثقافيا واقتصاديا وعسكريا. إن بناء مجتمعات صامدة، وتعزيز اقتصادات مستقلة، وتنشئة أجيال جديدة ملتزمة بالعدالة، كلها عناصر أساسية في مواجهة حضارية تتجاوز الصدامات العسكرية. يكمن التحدي في تحويل لحظات المقاومة إلى استراتيجية شاملة توحد السياسة والثقافة والاقتصاد والإيمان في خدمة قضية عادلة ودائمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى