الأربعاء ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

مخاطر الروح الانتقامية في مكان العمل

أماكن العمل ليست مجرد مواقع إنتاج، بل هي أنظمة حية للعلاقات الإنسانية. ضمن هذه الأنظمة، لا مفر من الصراعات وسوء الفهم والأخطاء. ما يحدد قوة واستدامة أي مؤسسة ليس غياب المشاكل، بل طريقة تعامل أعضائها معها. من أكثر النزعات تدميرا في أي مؤسسة هو ظهور الروح الانتقامية - وهو موقف يسعى للانتقام بدلا من الحل.

غالبا ما تظهر الروح الانتقامية عندما يبالغ الأفراد في تضخيم القضايا الصغيرة، محولين إياها إلى معارك شخصية. قد يصبح سهو زميل، أو تفويت موعد نهائي، أو تعليق سيء الصياغة، وقودا للاستياء. فبدلا من اعتبار الحادثة زلة عابرة أو خطأ مفهوما، يفسرها الشخص الانتقامي على أنها ضرر متعمد. ومن هنا، تتجذر الرغبة في "تلقين درس" أو "الانتقام".

لهذه العقلية عواقب وخيمة. أولا، يستنزف الانتقام الطاقة التي ينبغي تكريسها للإبداع وحل المشكلات والعمل الجماعي. فبيئة العمل التي تهيمن عليها دورات الانتقام تحول التركيز بعيدا عن الأهداف المؤسسية إلى التنافسات الشخصية. ثانيا، يقوض الثقة. فعندما يخشى الموظفون من أن يُستغل كل خطأ ضدهم، يصبحون دفاعيين وكتومين ومترددين في التعاون. ثالثا، يولد الانتقام ثقافة الانقسام. فتتشكل المجموعات والتحالفات حول الضغائن، مما يولد تشرذما يقوض المعنويات والإنتاجية.

ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن معظم صراعات مكان العمل بسيطة ويمكن التغلب عليها من خلال المنظور والتعاطف والتواصل. لكل خطأ يرتكبه زميل، يمكننا إيجاد ألف عذر - كالتوتر وسوء الفهم والخطأ البشري - يساعدنا على الرد بصبر. وفي الوقت نفسه، يمكننا أيضا إيجاد ألف مبرر للانتقام. فالاختيار بين هذه المسارات لا يتعلق بما يستحقه الآخر، بل بما تحتاجه المؤسسة.

تزدهر المؤسسات عندما يسود التسامح والحوار البناء على الانتقام. يجب على القادة والموظفين على حد سواء مقاومة إغراء الانغماس في المظالم، والعمل بدلا من ذلك على تهيئة بيئة تُعامل فيها الأخطاء كفرص للتعلم. وبذلك، فهم لا يحمون كرامة الأفراد فحسب، بل أيضا حيوية المؤسسة نفسها.

في النهاية، يكمن خطر الروح الانتقامية في قدرتها على التدمير من الداخل. قد يُشعرك فعل انتقام واحد بالرضا في لحظته، لكنه يُطلق سلسلة من ردود الفعل العدائية التي تُضعف الهيكل بأكمله. السبيل الأمثل هو تجاوز الرغبة في الانتقام، متذكرين أن الإنتاجية والتعاون والاحترام المتبادل هي دائما أسس أقوى من المرارة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى