قراءة في معنى العدالة الإلهية وسط عالم مرتبك
«لأن عيني الرب على الأبرار، وأذنيه إلى طلبتهم، ولكن وجه الرب ضد فاعلي الشر»
— رسالة بطرس الأولى ٣:١٢
ليست هذه الآية وعدًا بانتصارٍ سريع،
ولا خطابًا يواسي العاجزين،
بل إعلانًا صارمًا عن طريقة مختلفة لفهم العدالة
في عالمٍ يبدو فيه الظلم أكثر تنظيمًا،
والشر أكثر ثقة بنفسه.
عينا الرب على الأبرار
لا تعني أنهم محصّنون من الخسارة،
بل أنهم غير مخفيّين.
أن ما يُهدر في العلن لا يُهمل في السماء.
فالاستقامة التي لم تُكافأ،
والصدق الذي عوقب،
والصبر الذي أُسيء تفسيره على أنه ضعف،
كلها حاضرة في ميزان لا يعتمد سرعة الحكم،
بل دقّته.
في زمنٍ تُصنع فيه الحقائق بالضجيج،
ويُقاس النجاح بالقدرة على التبرير لا بالحق،
تصبح البراءة عبئًا،
ويبدو الصمت خيارًا خاسرًا.
لكن الآية تعيد تعريف الصمت:
ليس سكوت العاجز،
بل ثبات الواثق بأن الحقيقة لا تحتاج دائمًا إلى صراخ.
وأذناه إلى طلبتهم
لا تعني استجابة فورية،
بل إصغاءً لا ينقطع.
أن الدعاء الذي لم يُترجم إلى نتائج عاجلة
لم يُرفض،
وأن التأخير ليس إنكارًا،
بل جزء من عدالة لا تُدار بمنطق الاستعراض.
أما «وجه الرب ضد فاعلي الشر»
فهي ليست صيغة تهديد،
بل توصيف لحقيقة أخلاقية قاسية:
أن الشر، مهما أتقن التخفي،
يعيش في مواجهة مع النظام الأخلاقي للعالم.
وقد ينتصر مرحليًا،
لكن انتصاره لا يتحول إلى معنى،
ولا إلى مستقبل.
في واقعنا المعاصر،
نرى من يربح بالخداع،
ومن يخسر بالصدق،
ونُغرى أحيانًا بالاعتقاد
أن الطريق الأقصر هو الأذكى.
لكن هذه الآية تذكّرنا
أن الأذكى ليس من وصل أولًا،
بل من وصل دون أن يخسر نفسه.
ليست القضية أن نكون على الجانب الرابح الآن،
بل أن نكون على الجانب الذي
يستطيع الوقوف أمام المرآة،
وأمام الله،
وأمام التاريخ.
فالخسارة الحقيقية
ليست أن تُظلَم،
بل أن تبرّر الظلم حين يخدمك.
وهنا، تحديدًا،
تبدأ المواجهة
التي لا يربحها الشر مهما طال الزمن.
