السبت ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٥
بقلم صالح مهدي محمد

كنتِ تُشبهين الحُلم

كنتِ تُشبهين الحُلم،
لا لأنّ غيابكِ كان طريقًا مُظلمًا،
بل لأنّ حضوركِ نفسه كان يُطفئُ الممرّات
بضوءٍ لا يُرى،
ويُعلّمُ الأمكنةَ كيف تُخطئ في تعداد أنفاسها
حين تمرّين.
كأنّكِ صدى يسبق الصوت،
أو كأنّ الزمن يعتذر عن نفسه
كلّما اقتربتِ من لحظة،
ثم يهبط أمامي
كنافذةٍ أضاعت جدارها.
كنتِ تُشبهين الحُلم
إلى الحدّ الذي يجعل الظلال
تسير على مشيتكِ،
والهواء يُبدّل شكله
كي يُناسب قامةَ غيابكِ،
والليل يفتح أبوابه
بحثًا عن رائحةٍ تُشبهكِ
أو عن وهلةٍ تأخّرتِ في نُطقها.
حتى إنّ الكلمات التي أحبّتها شِفاهكِ
تُولَدُ مترنّحة،
كأنّها من أثرٍ قديم
لمسَ قلبَها ذات مساء،
ثم تاهت.
لأنّكِ حين اقتربتِ
صار العالمُ يفقد صوته،
ويصعد النهارُ إلى قمّته
باحثًا عن مكانٍ يليقُ بكِ.
كنتِ تُشبهين الحُلم،
وأعرف أنّ الأحلام لا تبقى،
لكنّها تُسرّب فينا شيئًا
يُشبه الندى حين يخطئ بابَ الفجر
ويهبط على وجهٍ كان يُفكّر بالرحيل.
إلى أنّي لم أعد أُفرّق
بين يقظةٍ تُحادثني باسمكِ،
ونومٍ يسعى إلى اقتفائكِ،
أو حُلمٍ يرسلني إليكِ
كأنّي رسالةٌ لم تُفتح بعد.
كنتِ تُشبهين الحُلم،
وكلّما حاولتُ الإمساك بتفصيلةٍ منكِ،
تتسرّبين كالماء من أصابعي،
وتتركين فيّ أثرًا خفيًّا،
حتى صرتُ أختبئ من نفسي
كي أراكِ،
وأعبرُ الأزقّة
كمن يفتّش عن أثرٍ خفيف
تركه الغيمُ على كتفه،
ثم نسيه.
كنتِ…
ولم أعد أعلم
هل أنتِ التي جاءت من باب الليل،
أم الليل هو الذي انحنى
وفتح لكِ قلبه
لتعبري منه إليّ.
كنتِ تُشبهين الحُلم،
وهذا وحده يكفي
لأُدرك
أنّ الغياب ليس موتًا،
بل امتدادٌ شفيف
للحضور الذي لم يكتمل بعد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى