الخميس ٢٨ آب (أغسطس) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

هلوسة

أفتحُ عينيّ، لكنّي لا أرى. لا لأن الظلام يبتلعني، بل لأن الضوء نفسه أصبح عدوّي.

الجدران تتنفس. نعم، الجدران تتنفس. تمدّ صدورًا حجرية، وتزفر غبارًا أبيض يملأ رئتيّ، فأضحك… أضحك حتى أختنق.

هناك امرأة بلا وجه تجلس على طرف السرير.

تغزل من شعري خيوطًا وتعلّقها على السقف. كل شعرة تتحوّل إلى صرخة، وكل صرخة تتحوّل إلى طائر أسود يحوم فوقي.

أسألها: “من أنتِ؟”

فتكتب على الهواء: أنا الهلوسة التي ولدت منكِ.

الأرض تميد. البلاط يتفتّت إلى مرايا، وفي كل مرآة أرى نسخة مشوّهة مني: واحدة بأسنان ذئب، أخرى بلا عيون، ثالثة تضحك بقهقهة لا تنتهي.

أركض بين المرايا، أرتطم بوجهي في زجاجها، لكنني لا أنزف دمًا… بل يخرج من وجهي حبر.

الحبر ينسكب على الأرض، ويكتب وحده: “أنتِ محبوسة في نصّ لم تكتبيه.”

أصرخ: “أريد أن أستيقظ!”

فتردّ الأصوات من كل الجهات: وهلوسة كهذه تُوقَظ؟ إنها تعيش بكِ ولأجلكِ.

أرى بابًا يتدلّى من السقف. أصعد سلّمًا لم يكن هناك قبل لحظة. أفتح الباب…

ورأيتني.

نعم، أنا هناك، جالسة تكتب هذه القصة الآن. وجهي هادئ، يدي ترتجف، لكن الكلمات تنهمر بلا توقف.

أصرخ لها: “توقّفي! لا تكتبي أكثر، كل كلمة تحبسني أعمق!”

ترفع رأسها إليّ، تبتسم ابتسامة مكسورة، وتقول:

“إن توقّفت، ستختفين. أنتِ لستِ سوى الهلوسة التي كتبتُها.”

وأنا…

أضحك.

أضحك بجنون.

لأنني أخيرًا عرفت الحقيقة: أنا وهم يكتب وهمًا آخر، ولن يكون هناك يقظة أبدًا

رانية مرجية - تلفون 7077060-054

كاتبة اعلامية وموجهة مجموعات


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى