الاثنين ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

وجع

في آخرِ الليلِ،
حين تنطفئُ أنفاسُ المدنِ الكبرى،
ويصحو الفقرُ على رائحةِ الخبزِ البعيد،
أمدُّ أصابعي نحو الفراغ،
فألمسُ وجوهًا لم أعرفها،
لكنّها تشبهُني في الوجع.

كم يشبهُ هذا الكوكبُ قلبَ أمٍّ
أُخذ ابنُها إلى حربٍ بلا جهة،
وعادَ على هيئةِ ريحٍ تطرقُ النافذة
كلّ مساءٍ لتقول: أنا هنا،
لكنّكِ لا ترينني.

أنا لستُ من هنا…
كلُّ أرضٍ صارتْ لي وطنًا مؤقتًا،
وكلُّ جرحٍ صارَ جوازَ سفرٍ جديدًا.
أعبرُ من ضوءٍ إلى ظِلٍّ،
ومن فكرةٍ إلى غيابٍ،
كأنّ الحياةَ تدريبٌ على الفقدِ،
وكأنّ الموتَ هو اللغةُ الوحيدةُ التي نفهمها بلا ترجمة.

في نيويورك أو غزة،
في طوكيو أو حيفا،
الناسُ يبكونَ بالطريقةِ ذاتها —
لكنّ اختلافَ الموسيقى
هو ما يجعلُ الصراخَ يبدو حضاريًّا أحيانًا.

يا وجعي القديم،
يا مرآتي التي لا تكذب،
علّمني كيفَ أحبُّ دون أن أرتجف،
وكيفَ أكتبُ عن الوردِ
في زمنٍ لم يعد يؤمنُ بالرائحة.

ما عادَ فينا متّسعٌ للنهايات،
صرنا نكتبُها سطرًا سطرًا
في وجوهِ من نُحبّ،
ونُسلّمها للعالم
كأنّها وثيقةُ اعترافٍ
من جيلٍ نسيَ كيف يبتسمُ وهو ينزف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى