أسقِني لقاءَكِ
أسقِني لقاءَكِ…
فالعطشُ في صدري ليسَ ماؤهُ من بئرٍ،
إنّما من نجمةٍ سقطتْ في صدفةِ عينيَّ، ولم تَعُد.
أنا الذي شربَ الغيابَ حتى آخرِ قطرة،
وغفا على رملِ الوقتِ كقاربٍ مكسورٍ،
ينتظرُ مدًّا من وجهِكِ.
أسقِني لقاءَكِ،
ولو بظلِّ ابتسامةٍ تتعثّرُ في الممرِّ،
ولو بارتعاشةِ يدٍ نسيتْ شكلَ الطمأنينة،
ولو بحرفٍ سهوٍ من اسمِكِ
يتدلّى من هواءِ المساء.
كلُّ شيءٍ حولي صارَ مرآةً مشروخة،
تُعيدني إليكِ بوجوهٍ لا تُشبهُكِ،
حتى النوافذُ تهمسُ حينَ أفتحُها:
"أنتَ متأخّرٌ عن موعدٍ لا ينتهي."
أسقِني لقاءَكِ،
قبل أن يُطفئَ الغبارُ نيرانَ الكلام،
قبل أن يشيخَ القلبُ مثلَ كتابٍ نُسيَ في المطر،
وتذبلَ الحروفُ التي كانت تُناديكِ في العتمة.
كم من مساءٍ جلستُ على حافّةِ الوقت،
أُحرّكُ عقاربَ الساعةِ بأصابعي،
علَّها تُدركُ أنّكِ تأخّرتِ عمرًا كاملًا.
أسقِني لقاءَكِ،
كما تُسقى المدنُ الميتةُ بالمطر،
كما يستفيقُ الحجرُ حينَ يلمسُهُ الضوء،
كما تنهضُ الذاكرةُ حينَ تمرُّ رائحتُكِ.
في غيابِكِ،
الأزمنةُ تتعثرُ بلغتها،
الليلُ يبتلعُ صوتهُ،
والسماءُ تنسى ترتيبَ نجومِها.
أسقِني لقاءَكِ،
فأنا مُعلّقٌ بينَ شهيقٍ وآخر،
كجملةٍ لم تكتملْ في قصيدةِ القدر.
اقتربي —
دعي الكؤوسَ تمتلئُ من دورتِكِ الأولى في جسدي،
ودعي الوقتَ يسكرُ معنا،
ويعترفُ أنّ الانتظارَ نوعٌ من العبادة.
أسقِني لقاءَكِ…
ليسَ لأروى،
بل لأتذكّرَ أنّي ما زلتُ حيًّا بما يكفي
لأتعطّشَ إليكِ.
