السبت ٢٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٥
بقلم صالح مهدي محمد

أجنحة الصمت

(1) الليل حين مر

مرَّ الليلُ
نجمةً بعيدةً،
لا تُرى…
بل تُفكَّر.

كان يعبرني
كقطارٍ بلا سِكَّة،
يترك في صدري
صوتًا
ولا يصل.

المدينةُ نائمةٌ في داخلي؛
شوارعُها كلماتٌ مكسورة،
وكلُّ نافذةٍ
عينٌ
نسيت صاحبَها.

أحدِّق في الفراغ،
فترتدُّ نظراتي
صُوَرًا
ممتلئةً بزمنٍ
لم يحدث.

نجمةٌ بعيدةٌ
تتعلَّم السقوط
دون أن تمسَّ الأرض،
وأنا
أتعلَّم البقاء
دون سماء.

مرَّ الليلُ،
وترك لي
أثرًا
يفكِّر عني،
وقلبًا
يضيء
حين ينطفئ
كلُّ شيء.

(2) عناء الغربة

أحملُ المكانَ
كجُرحٍ مؤجَّل،
أينما ذهبتُ
كان يتقدَّم قبلي
ويجلس.

الغربةُ
ليست طريقًا طويلًا،
إنها خطوةٌ واحدة
تتكرَّر
ولا تصل.

أسمائي تتبدَّل،
وجهي يتعلَّم لغةً
لا تسأل عن الماضي،
ويدي تصافح الهواء
كي لا تخونَ الذاكرة.

في المدن البعيدة
أصير أخفّ،
كأنني أترك جزءًا من وزني
عند كل وداع،
حتى أكاد أصل
إلى نفسي
فارغًا.

الوقتُ هنا
لا يعرفني،
يمرّ بي
كما يمرّ قطارٌ
لا يتوقّف لأحد.

أقول: هذا وطني،
فتضحك الخرائط،
وأعرف أن الوطن
ليس مكانًا،
بل تعبٌ
نحمله معنا
كي لا نضيع.

عناءُ الغربة
أن تعودَ كلَّ ليلة
ولا تجد
من يعود.

(3) يقظة الذاكرة

تستيقظُ الذاكرةُ
قبلَ الضوءِ،
تُعدِّل جلستها في الرأس
وتفتحُ نوافذَ
لم أعد أزورها.

لا تطلب إذنًا،
تدخل كما يدخلُ المطر
إلى بيتٍ قديم،
تعرفُ ثغوره كلّها
وتختار أضعفها.

الصورُ لا تأتي كاملةً،
تصلُ ناقصةً
كأصواتٍ من خلف الجدار،
أُنصتُ السمعَ
فتكبر.

كلُّ ما نسيته
يقف الآن
في صفٍّ طويل،
ينظر إليّ
كأنني المتأخّر.

الذاكرةُ لا تحنّ،
إنها فقط
تتذكّر،
وأنا
أتحمّل يقظتها.

(4) انتظار الغيمة

كان الانتظار
غيمةً صامتة،
نعدّ فيها أنفاسنا
كي لا يتسرب الوقت بين أصابعنا.

كان الانتظار
كرسيًا مائلًا على صبرٍ مكسور،
نجلس عليه
ونسند ظهورنا أن الألم عابر،
كما يمرّ الغيم فوق السماء دون وداع.

كان الانتظار
أن نربّت على الخيبة
كطفلٍ يتيم،
ونسميها بأسماء خفيفة
كي لا ترتعد القلوب في الليل.

كان الانتظار
سؤالًا بلا علامة،
نردّده كل مساء
ونخاف من الإجابة التي لا تأتي.

كان الانتظار
أن نحدّق في الطريق
حتى تتعب أعيننا،
ثم نقول:
ربما لم يأتِ بعد…
ربما لن يأتي…

وكان الانتظار
أن نكتشف متأخرين
أننا
كنا نؤجّل الحياة
باسم الأمل،
ونعيش الغيم صامتًا فوق صمتنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى