الأربعاء ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٥
بقلم هديل نوفل

حين انتصر الضوء

أبي...
رجلٌ لا يشيخ،
ولا يهادنُ التعب،
عرفتُه قويًّا كالنهر،
عنيدًا كحجرٍ يرفضُ الانكسار،
يضحكُ قليلًا،
لكنّ ضحكتَه كانت تُصلحُ ما في الدنيا من تعب.

... أبي،
زرعَ عمرَه في الغربة،
لكي نكبرَ نحن،
ونحملَ شهاداتِنا كما يحملُ هو قلبَه،
بفخرٍ لا يُقال، بل يُرى.

كان حنونًا كظلِّ شجرةٍ في تمّوز،
وعصبيًّا كريحٍ لا تعرفُ كيفَ تُخفي خوفَها.
كلُّ غضبهِ كان حبًّا على هيئةِ صرخة،
وكلُّ سكوتهِ كان حزنًا على هيئةِ صلاة.

وحينَ خانتهُ الكُرياتُ الحمراء،
ارتجفَ البيتُ،
ارتجفتْ يداي،
وصرتُ أتبعهُ إلى المشفى
كأنّي أتبّعُ طفلي الصغير.

يا أبي،
كم مرّةٍ خبّأتُ وجعي عنك،
كما كنتَ تخبّئُ وجعكَ عنّي،
وكم مرّةٍ ابتسمتُ وأنا أنكسر،
لأنّك كنتَ تبتسمُ وأنتَ تتألّم.

... ثمّ،
انتصرَ جسدُك النبيلُ على المرض،
كما ينتصرُ الضوءُ على الغيم.
عدتَ إلى البيتِ بخطواتٍ هادئة،
وفي صوتِكَ نغمةُ شكرٍ لا تُقال،
وفي عينيكَ فجرٌ جديد.

أبي،
يا من خاضَ المعركةَ بابتسامة،
يا من ظلَّ قويًّا حتى في الوجع،
يا من علّمني أنَّ الشجاعةَ
هي أن نخاف... ولا ننهزم.

أنتَ بطلُ الحكايةِ كلّها،
ورجلُ العمرِ كلّه،
أنتَ الذي تعرّقَ في الغربة،
وبكى في الخفاء،
وانتصرَ في النهاية
لأجلِ الذينَ يحبّهم.

أبي،
حينَ أنظرُ إليكَ الآن،
أرى وجهَ الحياةِ كما يجبُ أن يكون:
مبتسمًا، متعبًا، ومليئًا بالنور.

الحمدُ لله،
أنَّ الضوءَ عادَ،
وأنَّ الخطى التي خافتِ الأرضُ عليها
ما زالت تمشي بثبات.

الحمدُ لله،
أنَّ يدَك التي كانتْ ترتجفُ من التحليل،
عادتْ تمسكُ فنجانَ قهوتِها
بثقةِ الجبل.

الحمدُ لله،
أنَّك هنا،
وأنَّ النورَ ما زالَ في بيتِنا قائمًا باسمك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى