

وطني الصغير…
يا وطني الصغير…
يا وردةً نبتت بين كفّين من صلاة،
كم من مساءٍ علّقَ روحه على غيمةٍ،
وانتظر أن تعود الأصوات من البحر.
هناك،
يمشي الحلم حافيًا فوق وجع المسافات،
يحمل على ظهره حقيبة من ضوءٍ،
وفي قلبه مدينةٌ من نداءٍ قديم.
البيوت التي أحبّت ظلاله،
تُطفئ مصابيحها كلّ ليلةٍ،
وتجلس عند النافذة،
تعدّ نجوم الغياب…
وتسأل الريح:
هل رأيتَ من يشبهنا؟
ليس الفقد موتًا،
بل أن يرحل جزءٌ من الحلم…
ويبقى في صدرك صدى اسمه،
كأنك تهمس لسماءٍ فارغة:
"ارجع قليلاً… فالعمر لم يبدأ بعد."
لكنَّ الضوء،
يا صغيري، لا يُطفأ،
هو يعرف طريقه في العتمة،
يعرف أن يعود خفيفًا،
كما يعود النسيم إلى وردته الأولى.
ستكبر المدن التي انتظرت،
ويزهر الغياب على الشرفات،
فربما الغربة ليست إلا امتحان الورد في الصقيع،
ليعرف كم هو جميل حين ينجو.
سيأتي يوم،
تفتح فيه النوافذُ ذراعيها،
ويعود الحلمُ متعبًا من الرحلة،
يضع رأسه على كتف الأرض،
ويقول: "ها أنا… عدت كما وعدت."
وحينها،
ستعرف أن الانتظار صلاةٌ أخرى،
وأن الذين يمضون لا يبتعدون،
بل يضيئون أكثر…
في قلوب الذين أحبّوا.
وتمضي الليالي على مهلها،
تحمل بين طيّاتها رائحة الخطوات،
وصدى الضحكات القديمة،
كأن الزمن نفسه يحنّ،
ويعتذر عن كل هذا البعد.
في الصباح،
حين تتسلّل الشمس على استحياء،
تسألها النوافذ عن المسافرين،
فتبتسم وتقول:
"ما زالوا هنا…
في دفء الدعاء، وفي نبض الأغاني،
وفي قلب من ينتظرهم دون أن يتعب."
وهكذا،
يبقى المكان حيًّا بهم،
وتبقى الأرواح متشابكة كالأغصان،
حتى لو فرّقتها الرياح…
فمن يعرف الحبّ حقًّا،
لا يعرف الفراق.