

ظلّ الشتاء
في ليلِ كانونَ،
حينَ يتعبُ المطرُ من طرقِ النوافذِ،
نفتحُ له صدرَ البيت،
ونجلسُ حولَ ضحكةٍ تأتي من بعيد،
كأنها مدفأةٌ بلا نار،
وكأنها أرضٌ تستعيدُ طفولتَها.
كنا نعرفُ أنَّ للشتاءِ ظلًّا آخر،
وجهًا يضيءُ حينَ تنطفئُ الشوارع،
يدًا تربّتُ على الغيمِ
فتنزلُ السماءُ إلينا خبزًا وطمأنينة.
كان يقولُ لنا حكاياتٍ قصيرة،
مواعظَ تلمعُ مثل نجومٍ في الليل،
كلماتٍ تحرسُ دروبَنا الصغيرة،
وتبعدُ عنّا خطيئةً تتربّصُ بالقلوب.
لكنَّ الليلَ طويلٌ،
وأبوابَ الغيابِ كثيرة،
وأنا ما زلتُ أُصغي
إلى وقعِ خطواتٍ لا تعود،
أبحثُ عن كرسيٍّ مهجورٍ،
عن فنجانِ قهوةٍ بردَ قبل أن يُكمَل،
عن ضحكةٍ أضاعَها الصدى.
الآن أفهم،
ذلك الوجهُ الذي يزورُني كلَّ شتاء،
ويسمّيه الحنينُ باسمه الوحيد:
سعيد.