الثلاثاء ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
بقلم صالح مهدي محمد

سِرًّا أُحاوِر البحر

سِرًّا…

أهمس للمدِّ،

أقفز فوق صَدَفاته كطفلٍ ضائعٍ بين أسماءٍ لم أتعلمها بعد،

أحفرُ الهواءَ بأصابعي،

أراقبُ كيف تتقاطعُ الحروفُ مع الموجِ،

كأنّها جروحٌ تتكاثر في صمتٍ أزرق.

البحرُ ينهضُ من داخلي،

يتموجُ في عروقي،

يترنح بيني وبين الزبدةِ،

ينحني على قاعِ الليل،

يهمسُ لي بما لا يُقالُ إلا بين صخورٍ لم تكتمل.

سِرًّا، أُحاوِره…

أسأله عن نفسي،

عن الظلالِ التي تسكنُ وجهي قبل أن أراها،

عن الحروفِ التي تبكي على حافةِ شفتي،

عن الصمت الذي يختبئ في الماء.

الموجةُ تتفجرُ،

تصنعُ من وجهي قِسماً من البحر،

تصنعُ من روحي صَدَفةً صغيرة،

كلُّ قوسٍ من الزبد،

هو عبارةٌ عن قصةٍ لم تجرؤ على النطق بعد.

أسمعُ البحرَ يضحك،

ضحكةٌ ملحية،

كأنها تمزقُ الحكايات القديمة،

كأنها تقول:

كلّ من يحاولُ الكلام، يغرقُ في نفسه أولًا.

كُلُّ لغةٍ أقولها تتحلل،

كُلُّ نبرةٍ تذوب كثلجٍ لم يولد بعد،

كُلُّ كلمةٍ هي موجةٌ،

تعودُ إليّ بصوتٍ أبطأ،

بحيث يصبحُ السكونُ كلامًا.

سِرًّا…

أحاول أن أفهمَ السرَّ الذي لا يُرى،

السرَّ الذي يكتبني وأنا أختفي،

السرَّ الذي يطفو على الماءِ ثم يبتلعني.

المَدُّ يبتلعني،

الجزْر يعيدني،

وأنا أحاول أن أكتب نفسي،

لكن الكتابة تتحلل،

تصبحُ موجةً،

تصبحُ ضوءًا تحتَ الماء،

تصبحُ صدىً لشيءٍ لم يحدث بعد.

وفي آخر الليل،

حين يختفي المَدُّ،

وحين تشرقُ القلوب على قاعها،

أهمسُ للبحر:

أيُّها السرُّ الأزرق،

أين أبدأ؟

أين ينتهي الصوت؟

فيردُّ عليَّ الهواءُ،

ولا البحر،

الهواءُ فقط:

كلُّ ما لم يُقال،

يتكلم في الماء قبل أن يولد.

فأفهمُ…

أنّ الصمتَ،

هو البحرُ الذي لا يغرق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى