الأربعاء ٢٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم ناصر الحجيلان

المذيعون الجدد والمنافسة على المكياج

لم يعد مستغربًا أن نرى عددًا من مذيعي القنوات الجدد والمراسلين من جيل الشباب وهم يملؤون وجوههم بالمكياج، ويهتمون بتنعيم أصواتهم بحيث تميل نحو الرقّة والرخاوة، ويعنون عناية كبيرة بالحركات المصاحبة لكلامهم. فمثلا تجد بعضهم يجعل اليدّ المطعمة بالمكياج كذلك تمر على الخد بانسيابية وتستقر أحيانًا على الذقن وأحيانًا تمسك بالذقن وفي بعض الأحيان تمتد إلى الطاولة، وهذا لا يمنع أن تتحرك اليد أثناء الكلام بشرط ألا تفسد «التنسيفة»؛ ولهذا فإن اليد تظل مشغولة بجذب الشماغ أو الغترة وتحريك أطراف الشماغ أو الغترة لكي تتناسب مع «الرزّة» العظيمة للسيد المذيع وهو يناقش قضية خطيرة من القضايا الفكرية والفلسفية التي تهم الأمة.

أحد المعجبين بكفائة المذيعين الجدد وذكائهم الحاد في النقاش وإدارة الحوار بطريقة ماهرة؛ ذكر لي أن بعض المذيعين يركّبون عدسات ملوّنة وبعضهم يركب رموشًا صناعية. ويبدو أن العدسات والرموش مهمة للغاية لأنها تضفي جوًا من الراحة والشعور بالأمن لدى الضيوف ولدى المتلقين على حد سواء؛ كما إنها توحي للناس بالذكاء المتقد الذي يبزغ من عيني المذيع الملونتين وكأنهما عينا حمامة وديعة كما يتضمنان إيحاء بالمعرفة الواسعة التي تعكسها رموشه التي «تكبّس» نحو الأسفل طوال الوقت. وكنت أريد أن أوصي ذلك المعجب أن ينبّه أصحاب الرموش والعدسات للانتباه جيدًا لهذه الملصقات أثناء تسجيل حلقات خارج الأستديو فربما تتأثر بالشمس أو بالمطر أو بالرياح فيصاب المتابعون للبرامج بالرعب إذا رأوا المذيع بصورة مفزعة إذا طارت رموشه أو سقطت عدساته دون أن يدري وتحوّلت عينيه من عينى حمامة إلى عيني شيء مفترس.

ومن اللطيف أن بعض المذيعين الجدد رغم اهتمامه بالمظهر فإنه يضيف عناصر أخرى تجعله يبدو أكثر رقة ورومانسية، فيعمل جاهدًا على ممارسة بعض السلوكيات التي تخرجه من شخصيته الحقيقية ليكون شخصًا آخر بمواصفات خارقة، كترقيق الصوت والتلعثم المتعمد أو الكحكحة الرقيقة أثناء الكلام أوالابتسامة المصطنعة أو الضحكة الزائدة عن الحاجة. ولكن لكي لا يكون التحليل لهذه الظاهرة غير دقيق، فإنه يجدر بنا الإشارة إلى أن بعض المذيعيين –وللأمانة- يهتمون بالعناصر الذكورية الجذابة، كإظهار بعض شعرات الصدر أو الكشف عن الذراع لكي يظهر وقد غطّاه الشعر الكثيف.

من الواضح أن بعض المذيعين يعتقد أن اهتمام الجمهور منصب على شكله الخارجي ولهذا فإنه يسرف في العناية بهذا المظهر على حساب المادة الإخبارية أو الحوارية التي يريد تقديمها للناس. ويبدو أن لديه توقّعًا معينًا لرغبة الجمهور، وهو توقع مرتبط فقط بالمظهر، ولهذا أعطاه كل اهتمامه وعنايته. وهو أمر يشكر عليه هؤلاء المذيعون الذين يهمّهم رضى الجمهور وراحته. ولكن ثمة تساؤل حول السبب الذي يدفع مذيعًا تلفزيونيًا إلى الاهتمام بالمظهر الرقيق في المكياج والصوت وفي الوقت نفسه يهتم بالمظهر الخشن كالشعر أو تركيب عدسات لاصقة تظهر العينين وكأنهما عينا صقر بدلا من عيني الحمامة؟ هل يريد لفت انتباه السيدات أم لفت انتباه الجمهور عامة من نساء ورجال فوضع قدرًا يناسب كل جنس؟ أم أنه يعتقد أن هذه هي الموضة وهو يتّبعها دون أن يكون لديه هدف معين؟ أم أن الجمهور يطلب هذا الاهتمام بالشكل بعد أن أصيبوا بالقرف من بعض المذيعين الذين يأتون ورائحة العرق النفاثة تخترق الشاشة وتصل إلى المشاهدين في بيوتهم؟

لا أحد يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة إلا من شاهد بعض المذيعين أو المراسلين أو المحاورين وهم يكررون الأسئلة دون أن يكتشفوا أن الضيف قد أجاب عنها، أو ينسى أحدهم السؤال وعيناه تدوران حول المكان بدهاء منقطع النظير، أو يقاطعون المتحدث لسؤاله عما يريد قوله الآن. هذا علاوة على الضعف اللغوي الذي يعتبر سمة عامة لديهم؛ فتتكرر الأخطاء النحوية والصرفية والمعرفية في حديثهم مهما بلغ قصره.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى