

حين يتكلّم الرماد
أوّلُ لهبٍ ينهضُ من جوفِ الموقد،
كأنَّهُ فجرٌ صغيرٌ يختبرُ ظلامَه.
تتناثرُ الرائحةُ في الغرفة
مثلَ مطرٍ قديم
أيقظَ الترابَ النائمَ في الذاكرة.
الحطبُ يتكسّرُ كعظمِ الوقت،
والدخانُ يتسلّقُ الجدار
مثلَ غيمٍ يبحثُ عن سماءٍ جديدة.
في العتمة،
تلمعُ الشراراتُ كسربِ نجومٍ
يفرُّ من أسرِ الليل.
أمدُّ يدي نحو الجمر،
فأشعرُ بيدٍ أخرى تسبقني،
يدٌ أعرفُها ولا أسمّيها،
كأنَّها ظلُّ أمٍّ نادت ،
أو صدى صديقٍ بقي في المسافة.
كلُّ شعلةٍ طائرٌ مهاجر،
وكلُّ رمادٍ كتابٌ أبيض
تخطّهُ الريحُ
وتقرأهُ الغربة.
الليلُ يقتربُ من الموقد،
يجلسُ حولهُ مثلَ غريبٍ
يستمعُ لحكايةٍ منسيّة،
والجدرانُ تصغي
كأنّها تحفظُ سرّ اللقاء الأول.
الموقدُ لا يمنحُ دفئًا فقط،
إنّهُ يوقظُ ما خبّأناهُ
في أدراج النسيان،
ويعيدُ إلينا وجوهًا
معلّقةً بين المطرِ والنجوم،
بينَ أوّلِ حبٍّ
وآخرِ حنين.