عقدة الذنب
صَحَتْ الذكريات فجأة في عربةِ وقته فبكى بصمتٍ
على خيباته التي مر بها وتذكر كم كان يتماهى
مع الوقت فَنَبش ذاكرتهُ المتعبة وقال لها معاتباً:
أرى أني رجلٌ أخذ الأرقُ مني نصيباً واسعاً
دون جدوى ، فلقد أورثني صداعٌ ودوخة ولهاثٌ بأنفاسي
وغوغائية في محفل أيامي حتى غدت ابتساماتي
ممزوجة بدموعٍ مالحة طعمها مرٌ مثل عشبة العوسج.
أصبحت كالمهرج في السيرك ينتظر
تصفيق الجماهيربينما هو يبكي من وراء الستائر
وبين قلبي وعقلي وقفت حائراً!
بين نعم وبين لا، بين خنوع نعم، وتمرد لا
كثيرمن الأحيان كنت أبرر لنفسي ما أفعله
من أخطاء و خيبات، وأقول متحدياً ذاتي
حتى الصخرة الصلدة لا تصمدُ أمام قطراتِ المطر
الناعمة تصدعها، تحطمها، تحولها إلى فتات
وأنا أيضاً من لحمٍ ودم ولست ملاكاً ولا نبياً
إذاً لِما لا تنزع من دماغك هذا الفتيل
من الكبرياء الفارغ الذي يشعل فيك
حرباً يومية ويقتل صورالجمال في حسك المرهف،
دع عنك عقدة الذنب التي تعاقب كل فضيلة فيك.
في الحقيقة من كثرة عتابي لذاتي تمنيت أن أكون غيري
فالذي حط على كاهلي من أرقٍ وقلقٍ و خوفٍ
لم يكن بالقليل بالأضافة إلى الخيبات التي حصدت
النصيب الأكبر من فكري كانت هناك الهلوسة
التي غدت مركز شرطة يراقب كل أفعالي
وتصرفاتي ووسواسٌ قهري يهز مضجعي قبل
ساعات النوم، كم تمنتُ لو تحصنت داخل دائرة لا تتسع
لأكثرمن الرضا تمنيت لو طرحت
الماضي جانباً بكل ما فيه ومشيت
متوازناً وموزوناً مثل نوطة موسيقية
تُعزف على نسقٌ واحد.
وبين الحكمةِ والرغبة كان الصراع
بين الحب والفكر وبين الماضي والحاضر
كانت الحرب قائمة إلى أن انتهى بيّ الأمر
مشوشاً في الفكر ومشرداً على عتبة العمر
وها أنا أعاتب الوقت باقتدارٍ مكين وأرمي
ثقلي عليه وبأقصى امكانياتي أريد الصعود من
هذه الهاويات المتراكمة على طول الطريق.
ما أريده الآن أن أجمع خيباتي وأرميها في وادٍ
سحيق ودون العودة إلى عقدة الذنب.
أريد أن أحتضن إيحاءات فكري الجديدة
وأتقبل ذاتي بكل ما تحوي من تناقضات
وأعيش للحاضر دون الغوص العميق
في الماضي ربما تبدأ حكاية جديدة
في الهزيع الأخير من العمر.
